المعز عبدالمتعال: غضبك جميل زي بسمتك”
“غضبك جميل زي بسمتك”
إنّه لسحر يؤثر، كيف كان إلهام هذا الشاعر وهو يُشبّه جمال الغضب بجمال الابتسامة؟ أين يكمن وجه الشبه؟ لو لم تكن المُشبّه به اخترقت حصون الجمال بخيلين، تمتطي عُنف اللحظة بخيل جمال الغضب، وخيل رقّة الابتسامة، فكان جمال التقاء النقيضين، بهذا الشكل الآسر.
كيف تحرّش هذا الشاعر بمفردات عصّية؟، استخدم فيها معاني كثيفة، فكان ادراك المعنى رديفًا للنقيض، وهنا يتجلّى الإبداع، حينما يُنتزع المعنى من جوف النقيض، ويجعلك تُحلّق في فضاء النشوة.
“حكم الغرام بتذلّلي
حكم الجمال بتدلّلك”
إستعارة هي؟ ام جناس؟ ام طباق؟ ام تورية؟ ام حزمة من مُحسنات اللغة البديعية؟ نقطة من حرف الذاي إختفت وأضحى المعنى من تذلّل إلى تدلّل، هو ذات الدلال الذي انفجر في وجه الذُل، وهو الذُل الّذي تحوّل إلى دلْ، في تبادلٍ مُدهش لمواقع المعاني والدلالات الحميمة، ثُمّ كيف تتنازل عُنف المفردة من طقس الذُل إلى واحة الدلال، تحلّق عصافير التسامح بين المفردتين، ويختفي المعنى الحقيقي للذُل، ويهبط في رقةٍ ليعانق مجازًا صدر الدلال.
“الاشتياق والاحتراق والوجد لي
والابتسام والانسجام والحُسن لك”.
مُنهكٌ هو من أعاصير الاشتياق، هزمه الشوق حد الاحتراق، إنّه الوجد في عنفوانه، وهناك على ضفة الشوق الأخرى من نهر الحنين كان سحر الابتسامة وروعة الانسجام وهُطول الحُسن البديع على شوارع الفرح، فتعجّب الشاعر:
“عجبًا تكون قاسي ووديع”، قسوة كامنة في الدلال، وابتسامة وديعة انعشت روح المحبوب، فصار هائمًا في ملكوت العشق، يطأ بقدميه ظلال القمر، لكن الخوف بداخله يتفجّر عبر ينابيع الأماني.
“خائف خدودك تنجرح من نظرتي”، كأنّ خدودها من رقتها مرآة تعكس نظراته لها، ليرى أعمال نظراته في صحيفة خدها الباهر، فكان صدق الانعكاس، وجُرأة المشهد، فبادلته خوفًا بخوف، حُبًا بحُب، حين تنهّدت، “خائف فؤادي يذوب غرام من نظرتك”، إنّها كيمياء الشوق، تفاعلت عناصرها وانشطرت جزيئاتها، حين يذوب الغرام في محلول الوله، ويتحوّل الحُب إلى كتلة تتدحرج من تلال الحرمان إلى بساط التواصل واللقاء.
“كيف الخلاص يا دُنيتي، مابين خضوعي وجبرتك”.
ها هو يستنجد الخلاص، يتلوّى من لوعة الفراق، استبّد به الهوى والهُيام، حاول الخضوع لقوانين الصبر والاحتمال، فسرعان ما إنهار صريعًا واستجار بها، لكنّها تجبّرت بدلالها فإزداد لهفةً وشقاء.
“اراك قريب لكن بعيد عن بُغيتي”، هذا هو العذاب في قمة هرم الألم، أن تكون قريبًا من حلمك ولا تناله، أن تمشي على سطح القمر ولا تستطيع الاستحواذ على الضياء، أن تشتم الطعام وتتضوّر جوعًا، أن تصل بحر الحب وتعود ظمآنًا، أن تقترب من وهج العشق ولا تحترق، أن تكون قطعة سُكر في كوب ماء وتشتهي الذوبان، لذلك استنكر قائلًا، “من بعد ما اوقعتني في فتنتك”، وقع هو، فارسًا يترجّل من جواد الصبر، صريعًا تحت وابل فتنتها، فتنة الجمال وفتنة الوقوع، تلك الفتنة التي لُعنت في القواميس، تلك التي كانت تنام ملء جفون الاستسلام، ويُلعن شوقًا من يوقظها.
“جُرتْ وجفيت، وجفاك مُريع”.
ما أقسى الجور، واشدّ عذاب الجفاء، كيف تلين القلوب وتستعر شوقًا ووجدًا وصفاء؟ هذا جفاء مُريع، وبرغم ذلك، و”على كل حال، غضبك جميل زي بسمتك”.