إقتصادمال و أعمال

محمد عادل زكي: في الطبيعة الاقتصادية للأسهم

سودان ستار

 

 

حينما تحرك تلك الأداة من أدوات التمويل، أي الأسهم، على صعيد النشاط الاقتصادي، كتلة من النقد تفوق قيمتها، بل وقيمة الرأسمال المنتج الَّذي مثلته في لحظة معينة، وهو ما يعني ضرورة وجود كتلة نقدية أكبر، مسبقًا، من قيمة الارتفاعات في الأسهم؛ تتيح تداولها. فيجب أن تكون محل اهتمام منا، على الأقل بقدر تكوين وعي أولي يتيح المضي في تحليل تجديد الإنتاج الاجتماعي.

 

وبهذا القدر يمكن القول بأن تلك الأداة تبرز عادةً حينما لا تتوافر السيولة للمشروع، والَّتي تمثل في واقعها الرأسمال اللازم للبدء في نشاطه؛ فيتجه مؤسسوه إلى السُّوق لجمع تلك السيولة بدعوة الأشخاص للمساهمة في الرأسمال عن طريق أسهم متساوية القِيمة تجسّد ملكية الشخص المساهم لجزء من رأسمال المشروع.

 

السّهم إذًا هو ورقة مثبت بها ملكية المساهم لقدرٍ معيَّن من رأسمال المشروع، بيد أن ملكية الصك لا تعني أن للمساهمين حقوقًا قبل بعضهم البعض؛ إذ ليس لديهم سوى حقوق قبل الشركة نفسها، وفي بعض الأحيان يكون عليهم التزامات تجاهها، كما في حالة الالتزام بدفع قيمة الأسهم بالكامل. يدفع المساهم إذًا النقود ويحصل على صك بقيمة ما قدَّمه من النقود هذه. ويصبح بالتبع مشاركًا في رأسمال المشروع بقدر قيمة الأسهم الَّتي يمتلكها، فالمساهم يمتلك 1% من رأسمال الشركة إذا كان يمتلك 1000 سهم في شركة عدد أسهمها 100000 سهم، ويحصل بالتَّالي على أرباح بقدْر ما يملك من تلك الأسهم.

 

والَّذى أنشأ هذه الورقة المالية على أرض الواقع الحاجة إلى رساميل ضخمة، حتى قبل الهجمات الاستعمارية ابتداءً من القرن الخامس عشر. وثمن السَّهم على هذا النَّحو هو ثمن المخاطرة الجالبة لربح محدَّد سلفًا وفق معدَّل الربح السَّائد اجْتماعيًا.

 

والسَّهم، ليس نقودًا، ولا يجوز تداوله إلا من خلال أسواق المال وبورصات الأوراق الماليَّة وفق الأوضاع القانونية المقررة في كل دولة. وعادةً لا تختلف تلك الأوضاع من دولةٍ إلى أخرى، بل وثمة ميل لتوحيدها بصفةٍ خاصَّة بعد أن صارت للشركات دوليَّة النشاط الهيمنة على مجمل النشاط الاقْتصَاديّ على الصعيد العالميّ، بالأخص بعد التطوُّر التقني الَّذي أتاح تداول الأسهم بمجرد الضغط على زر في لوحة مفاتيح الحاسوب، ومعظم تلك الشركات هي شركات مساهمة مطروحة أسهمها للتداول في أسواق المال داخل معاقل إدارة شبكات الأعمال على الصَّعيد العالميّ. على كل حال، حينما يتم جمع الرَّأسمال يبدأ بالتَّالي النشاط الاقْتصَادي للمشروع، ولنفترض أنه يعمل في مجال إنتاج النَّسيج، أي أنه محكوم بقانون حركة الرَّأسمال الصناعي وهذا يعني أن النقود الَّتي يعبر عنها السَّهم سوف تتحول إلى قوى إنتاج بهدف إنتاج السلعة بقصد البيع في السُّوق من أجل الحصول على النقود الَّتي بدأت بها عملية الإنتاج، بالإضافة إلى الربح.

 

ولكن، قد لا ينتظر مالك السَّهم اكتمال دورة الرأسمال، ويبيع السَّهم في سوق المال؛ كي يحصل على نقوده والربح. وهذا هو الأصل الْعام في اقْتصَادات الأسهم القائمة بالأساس على الشراء عند أقل الأثمان والبيع عند أعلاها وفق مؤشرات معيَّنة. وهذا يعني أن تداول كتلة الأسهم مستقل عن الربح الفعلي؛ فهو لا يتحدد بمعدَّل الربح الَّذي يحققه المشروع نفسه، إنما بالبيانات عن المشروع وسمعته والتوقعات حول مستقبله. وهو ما قد يؤدّي إلى نتيجة تبدو، لأول وهلة، غريبة؛ فقد ينخفض ثمن السهم إلى الصفر مع أن المشروع يحقق ربحًا، وقد يكون المشروع في مرحلة تراجع وخسارة ومع ذلك يرتفع ثمن السهم! بيد أن تلك النتيجة الغريبة تبدو طبيعية بالنظر إلى استقلال اقتصادات تداول الأسهم، القائمة بالأساس على المقامرة، عن اقتصَاد المشروع نفسه.

 

فهناك العديد من المشروعات، شركة تسلا مثلًا، لا توزع أرباحها، ويحقق المساهمون أرباحهم عن طريق حركة بيع الأسهم وشرائها. وهي حركة مستقلة في الواقع عن ربح المشروع، وفي نفس الوقت قائمة على بيانات يجري تسويقها حول قوة المشروع ومستقبل أرباحه. تلك البيانات التَّسويقية فقط هي الَّتي تقود حركة الأسهم ارتفاعًا وانخفاضًا، في أداء أقرب ما يكون إلى مقامرات الروليت في صالات لاس فيجاس، وليس الإنتاج الفعلي ولا معدَّل الربح الحقيقي الَّذي يحققه المشروع.

 

ومن هنا لا يقتصر دور السَّهْم، كصك مثبت لملكية المساهم في رأسمال المشروع، عند حدود كونه ثمن المخاطرة الجالبة لقدر معيَّن من الربح وفق معدَّله السَّائد اجْتماعيًّا، بل يقوم، في نفس اللحظة، بدور أكبر، حينما يحرك كتلة نقديَّة تسمح بتداوله. هذه الكتلة تحرّك بدورها عدة أسواق وبالأخص سوق المال (عمال، مدراء، سماسرة، طباعة،… إلخ). وكل ذلك يجري كاقتصاد مستقل عن عملية الإنتاج الفعلية.

 

فهب أن مشروعًا بدأ نشاطه الاقتصاديّ وفقًا لقانون حركة الرأسمال الصناعي، بـ 500 ألف جنيه، جمعهم من السُّوق على هيئة أسهم، وفي نهاية السنة الإنتاجية حقق أرباحًا، بفعل قانون القِيمة، قيمتها 300 ألف جنيه، ولكنه لا يقوم بتوزيعها. وأثناء السنة قام نصف المساهمين بطرح جميع أسهمهم للتداول، أي تم طرح أسهم بقيمة 250 ألف جنيه، ومع البيانات التسويقية الجيدة عن المشروع جرى تداول تلك الأسهم 10 مرات، وفي كل مرة كانت قيمة السّهم تزيد 10%، فستبلغ قيمتها في نهاية السنة 648435,6 جنيه تقريبًا، في حين أن انتظار أصحابها إلى نهاية السنة لن يجعلهم يحصلون إلا على 150 ألف جنيه فحسب.

 

أن الانفصال بين ربح المشروع وبين ربح الأسهم، المقامرة، يعني أن الربح الأخير له ذاتية تستند على اقتصادات لا يمكن عقلنتها. ولقد كان كينز صريحًا تمامًا حينما قال:”إن أعظم الشرور الاقتصادية في عصرنا هي نتيجة المخاطرة، وعدم اليقين، والجهل. وذلك لأن أفرادًا معينين، محظوظين في الموقف أو في القدرات، قادرون على الاستفادة من عدم اليقين والجهل، وأيضًا لأنه لنفس السبب غالبًا ما تكون الأعمال التجارية الكبرى عبارة عن يانصيب يؤدي إلى إضعاف الإنتاج والكفاءة مع تفاوتات هائلة في الثروة”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى