يرويها الأستاذ محمد سيد أحمد الحسن
حررها عادل سيد أحمد
————————————–
وكما ذكرنا فان التمر هو المحصول النقدي الرئيسي للناس.
ومن اغرب الاشياء ان الناس ياخذوا التمر ويصنعوا منه مريسة احتفاءًا بالمناسبات المختلفة، ومن بينها حصاد القمح، ولكن لا احد يحتفي بحصاد التمر وهذا اغرب شيء.
لا احد يقيم له احتفالا، ولكن ينتظرونه، من يريد ان يختن انجاله، من يريد الزواج، من يريد شراء بقرة، هو ينتظر التمر.
وكما قلت لك التمر هو القيمة الاجتماعية للانسان، فقيمته في المجتمع تحددها كمية التمور التي يملكها، وتمور الناس ليست شيئا واحدا، ليست متساوية، فهناك من يحصد مائة جوال وهناك من يحصد جوالين، يتفاوت الناس في التمور.
التمور طبعا (ستة شهور خلي وستة شهور ملي) كما يقولون، تبدا من شهر فبراير الى سبتمبر، شايل، مجبد، وفقش، ودفيق، وهرود، وصفوري وحموري، وام راس الى ان يصل زمن الحصاد في شهر 9، ويحصد الناس تمورهم في شهر 9.
وكل شخص يحدد يوم حش (حصاد) تمره.وفي العادة يقفز (يلقح) التمر اولاد البيت اذا كانوا يقدرون على طلوع النخل، وليس كل الناس يعرفون طلوع النخل، وانا كنت من الناس الذين يقفزون التمر، ويسمى الشخص الذي يقفز التمر بالقفّاز، وعنده سبيطة من المحصول، اول بسم الله الرحمن الرحيم تقطع سبيطة القفاز، وتجدع بعيدا، وتجمع سبائط القفاز.
بعد سبيطة القفاز يبدا الحش.
بعد ذلك ياتي اللقاطون، ويلقطوا منذ الصباح بداية اليوم وحتى الظهر حوالي الساعة الثانية عشر او الواحدة.
بعد ذلك يعطى الاولاد او الناس الذين شاركوا في اللقيط كميات من التمور، وكل منهم عنده وعاء: قفة، طبق او صحن يملا له.
وفي هذه الاثناء تتجول بائعة الترمس، تكب وتتحرك بين الناس، وتعطى الأولاد ترمسا فياكلوه مع التمر الاصفر.
ويجيء الناس الكبار، ويعقدوا مجلسا كالندوة، يجلسون ويتآنسون، ويتضاحكون.
ثم يعرض التمر للشمس مدة اربعة او خمسة ايام، حتى يجف ويصير وزنه ثابتا وطبيعيا، ثم يعباه فيبيعه المحتاجون، وغير المحتاجين يخزنوه وينتظرون حتى يبيعونه بطريقتهم الخاصة، ولكن لا يوجد احتفال بحصاد التمر.
اما القمح فيحصد باحتفالات، وفزع القمح. والقمح فيه خاصية غريبة جدا، في هبوب (هواء) اسمه جاد الخال، انت تترك قمحك قش اخضر في العصر، فتهب جاد الخال ليصبح القمح في اليوم الثاني ناشفا (جافا) وناضج، كانما له سنين، فجاد الخال هي الهبوب التي تنشف القمح مثل امشير، امشير تنشف الشعير.
واحتفال الناس بالقمح اكبر من احتفالهم باي محصول آخر، وبداية احتفالات الناس بالقمح انه يحصدوا (حوض) يحشوه ويطحنوه ويدقوه فياكل منه ناس البيت والجيران، يذوقوا القمح، ويهدوا منه للناس الذين ليس لهم قمحا وللاقارب، والبنات، كلهم يهدوا لهم القمح.
فالقمح هو صاحب الكلمة، ولكن التمر هو المحصول الرئيسي، والحقيقي هنا في الشمال، ونتحدث هنا عن الشمال الخاص بالشايقية، لان المحس يزرعون اشياء اخرى لا نزرعها نحن الشوايقة كالشمار والكبكبيه، الكسبرة، التوم، الفول هذه يزرعها الدناقلة والمحس، الشايقية لا يورعون هذه المنتجات، ويعتبرونه عمل لا قيمة له.
وبيع الخضروات عندنا عيب.
لو زرعت طماطم او بصل او ويكة وبعتها فان الناس يعتبرون ذلك عيبا: ان تبيع الملاح!
وهذه تقريبا الصورة العامة لهذه المسألة.
الارض هنا خصبة وتنتج كل شيء، المشكلة المياه، والمياه طبعا كانت بالسواقي والبقر، والسواقي ذاتها كانت شيئا عجيبا، فهي ترفع الماء بالقادوس (جرة)، وكان هناك الكسالى وهناك النشيطون، والسماد كان هو السماد البلدي.
وقد قال الشاعر:
– تلتين في البلد ساكت تعابى
خانقين البقار وماخدين حسابا
هي لا قيمة علوقها ولا تيرابا
وكما ذكرت لك الناس يتفاوتون هناك الحراثون قموحهم جميلة وجيدة وهناك الكسالى ليس عندهم شيء.