مجتمعمقالات الرأي

عمر ترتوري: من الصفا بالقرير أحدثكم عن ليلة الطوفان و الفيضان

سودان ستار

جرت العادة أن ننوم فى هذا الصيف الحارق فى حوشنا الكبير .

ننتظر آذان المغرب بفارق الصبر لأن بموجبه يبدأ الليل ونطلع عناقريبنا ونتحاوم إلى بعد صلاة العشاء لنجد المراتب بارده بعض الشى برغم سموم الصيف و زنقة الحر .

في بعض الأيام الفائته يهطل المطر بهدوء ولطف ويغذي الأرض، ولكن في تلك الليلة الثلاثاء أم شيطانا تحت الواطة وحوالي الساعة الواحدة صباحا وبدون سابق إنذار لا رعده ولا برق بدأت تنقط المطرة ولكن بحبيبات غليدة من غير العادة و جرجرنا سرايرنا للداخل ، ثم هطلت الأمطار بغزارة، وهو ما يطلق عليها خبراء الأرصاد الجوية “انفجار السحب” وبالفعل انفجرت السحب الإستوائية التى تنبأ بها خبير الإرصاد المنذر الحاج ومثلها كمثل حربنا الضروس توقعنا بأنها نص ساعة بالكثير ثم تتوقف ونطلع مرة أخرى لمواصلة النوم فى الحوش ، ولكنها إستمرت لمدة أربعة ساعات بالتمام والكمال بدون توقف وبنفس المستوى ، ولم يسمع فى تلك الليلة المرعبة سواء أصوات العواصف الرعدية العنيفة المخيفة مع المطر النازل من السماء وكأن السحب انشقت ودلقت الماء لأن الذى رأيته ليس ( نقيط) مطر بل مياه مدلوقه من أعلى إلى أسفل .

البيوت كلها بيوت طين (ومبلوطات بالزبالة) لذلك بدأ السقف ينزف فوق رؤوسنا

والجدار يئن من هول المطر ، وبدأ الخوف يدخل فينا لأننا لا نسمع فى تلك الليلة سواء أصوات الحيط ( الجدار ) رو .. رو .. دل .. دل تقع على وتتساوى مع الأرض كل الغرف صبت غربال عديل .. كل المراتب والملايات تبعثرت وامتلأت بالماء والكتب وحتى المصاحف لم تسلم .

فى تلك اللحظات العصيبة سمعنا كواريك الناس تجيب الطاش عووك الحقونا .. طلعت على الشارع ومعى أبن خالتي فيصل وفجأة انزلقت فى الطين ووقعت وامتلات جلابيتى طين وكأنني طالع من القبر والحمد لله ما اتكسرت مخروقتي لأن تجبير المخروقة فى مستشفى مروى الصيني  بمليارين وان لم تكن معك يطردوك ولا يبالوا .

عموماً طلعت الشارع واخفج بكرعيني فى الطين ووجدت النساء والرجال يهرولون على الجوامع لأنها مشيدة بالطوب والحجر .

كانت ليلة مرعبة لأن هذه الأمطار التي يرفع الناس أكفهم فرحا بقدومها، يختلف وضعها تماماً في الشمالية وكل السودان اليوم، فهذه الأمطار تجلد الناس في العراء والذين لا يملكون للتستر منها سوى أكوام من الأوجاع والمآسي والمرارات وما تبقى فيهم من صبر.

فهطول الأمطار على السودانيين في العراء ليس إلا غيضاً من فيض مصابهم الكبير، ولن يزيد تلك العذابات إلا وجعاً وقهراً، تماماً كالعود الذي ينبش في جرح نازف، فلا هو بمعالجه ولا هو بتاركه ليندمل بمفرده.

اذن الآذان وتيممنا وصلينا وانتظرنا طلوع الشمس لنجد المآسي، كل البيوت آيلة للسقوط ومنها الكثير تهدم ولم نسلم منها .

الشوارع كلها بركةٌ من الوحل وكل القرى اوسلى ، مساوى ، قوزهندي ، قوز قرافي وحي السوق وكل المنطقة عباره عن ترع وسيول وحتى مقابر ود دارالنعيم بالكنيسة لم تسلم.

مع الصباح ومن دغشاً بدرى وجدت الأطفال يلعبون وجلهم من النازحين، يغنون فرحاً بالمطر، لكن أمهاتهم يدركن أن الوضع لا يبعث على السعادة، فمطر تحت النزوح في العراء يعني مزيداً من الصعوبات على عاتق الكبار، أقلّه لحماية الصغار ، مررت بجانبهم وقلت لأحدهم حليلك حليك يا اب هماً فوق غيرك وهز رأسه وقال لى : تسلم يا عم وهو لا يدرى ماذا اعني بهذه العبارة !!!

الحال فى كل منطقة القرير ومساوي و اوسلي يغنى عن السؤال ، وجاء الفريق البرهان بعرباته اللاندكزور ووعد الأهالي خيراً و ما عليهم الا أن ينتظروا الوعود لأن الحالة واقفه و اغلب الناس فى العراء جوع وبلاء ومرض وعدم مأوى ليت البرهان يرسل لهؤلاء الأهالي الخيم بأسرع ما يمكن ومن ثم الإغاثة من عدس وفول وسكر ولبن ودقيق .

اختم مقالى بهذا الدعاء :

اللهم بعدد قطرات المطر امطرنا فرحاً لا ينتهي وحقق امنياتنا،، اللهم اجعل لنا مع كل قطرة مطر تفريجاً وسعادة ورزقاً وعافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى