ثقافة وأدب

حجازي سليمان – أحزان غائرة

سودان ستار

 

لا أدري ما الصنيعة التي فعلتها وأنا لا أعلم حتى صرت بهذه اللطافة بشرًا يسير بين الناس بعد أن كنت حمارًا يحمل فوق ظهره الأثقال.

صحوت باكرًا في يوم خريفي كان صباحه يتسم بالهدوء، تأملت المناظر الصباحية والقرية كلها تضج بأصوات صغار الأغنام، ارسلت سمعي بعيدًا كي التقط صوتًا كان يأتي من بعيد، وعندما ركزت عليه السمع، علمت أنه صوت حمارنا، تتبعت من أي يأتي الصوت، فاعدني صوت أمي، كانت تحمل في يدها شاي وزلابية.

كيف اصبحت ؟! إن شاء الله تكون نمت كويس من الحكة، هكذا قالت لي، ثم اردفت قائلةً تعال اشرب الشاي هنا في الراكوبة، عشان تمشي تجيب لينا موية من الميجر، صباح الخير يا أمي، أنا الحمد لله بخير ونمت مرتاح، تمام التمام.

جلست متأملًا القطط وهي تلعب مع صفارها وتداعبها بحنو تام، خطر على بالي أن الأم ليس لها مثيل وإن اقسم لك شخص أنه يحبك بكل مايملك، فسوف يكون ضئيًلا مقارنة بحب أمك لك، إنها تحبك دون شرط وإن كنت عديم النفع، تحبك لا لشيء إلا لشيء في نفسها، لأنها خلقت تحب أبنائها دون قيود أو إلتزام يخص هذه الصفة الإنسانية الفريدة.

كيف يمكنها تجسيد هذه المحبة في شكل عطاء دائم وصدق مشاعر دون عناء.

جلست والشاي جواري، وهناك في الخارج أبي يمتطي حماره إلى مزرعته في همة ونشاط، كان يسابق نظراته التي تحتفي بالخضرة والجمال الذي يكسو الأرض.

بعد فراغي من الشاي وحصته، سألتني أمي أن أجلب الماء، لكنها عدلت عن رأيها، وأبي قد ركب الحمار، فمن الصعب جدًا أن أجد حمارًا بديلًا. نظرت أيمن مني وأيسر، فكانت أمي قد اختفت في غرفة ليست بالقريبة، المسافة كانت تمكنني من أن اجهز كارو الحمار واضع برميل الماء فوقها، بالفعل تم التجهيز وتسربت من الباب الأمامي.

وصلت الميجر في سلام وأمان، لم يصبني الإعياء والرهق، صببت بعض الماء في البرميل، حتى وصل إلى منتصفه، قدم لي أحد الشخوص، كان يراقبني من بعيد كأنه يبحث عن فرصة ليقدم لي المساعدة، بالفعل وصلني ورفع معي الكارو ثم قادها معي، قطعنا منتصف المسافة، طلبت منه العودة وشكرته.

وصلت إلى البيت وقد ملأني الفرح، حققت رغبة أمي دون أن تعلم سر شقائي، فرغت الماء في (زير) وبرميل صغير، ثم أخذت أبحث عن أمي، وجدتها تعد في الفطور، وقد اصابها ما اصابني ولكنها لاتشكو.

عدت غرفتي أفكر في قصة الأحداث وتسلسلها، كيف لي أن صرت بشرًا بعد أن كنت حمارًا يعشق الأحمال؟! الفتى الذي غادر وأنا قادم بالكارو ومنظره المنسحب لم يؤثر في نفسيتي، بل جعلني اعيد ترتيب الأشخاص في حياتي، أولوياتهم حسب إحترامهم وموافقهم.

المواقف تعرف كيف ترتب الأشخاص بدقة، لأنها صادقة في (فلترتهم).

الفتى الذي غادر المكان، كان يفر من المساعدة رغم أني لم اطلب منه، لم يعرفنِ ولم يعرف أني أحب مساعدة الآخرين، وكنت قد حملت له حملًا ثقيلًا عندما كنت حمارًا.

في مقاربة ظالمة تم مقارنة الحمار بالأسد بالأسد ، من وجهة نظري أن الحمار أكثر عونًا للإنسان وأجدى نفعًا.

لماذا الحيوانات لم تقاتل بعضها كما يفعل البشر من سلب ونهب وحرب؟!.

الحرب فرقت الناس وشتت شملهم، جعلت منهم مجتمعًا مشوهًا.

جلست افكر في طريق العودة، أن اعود حمارًا كما كنت واترك مجمتع متناحر متناقض مليء بالأحقاد..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى