كتاباتمنوعات

أحمد عجيب: نسمة ولد

مؤسسة سودان ستار الثقافية

 

 

عندما أفاق عم الطاهر من غيبوبته داخل غرفة مسدلة الستائر بها سريران

وثلاجة صغيرة ومكيف فى الأعلى

حاول ان ينهض متكيء على يديه الا ان يدا رقيقة منعته

:(مبتسمة) أصبر ياحاج ماطوالي  كده

تمعن فى الوجه جيدا انها نسمة.. نسمة بنته

ثم اردفت

: حمدالله على السلامة

google.com, pub-1840596202921895, DIRECT, f08c47fec0942fa0

: انا وين يابتي والحاصل شنو؟

: لا لا مافيش حاجة الحمد لله كم يوم ونرجع الحلة

سرح ببصره بعيدا

الحلة؟ يالها من حلة

كانت قرية صغيرة متكئة على ترعة تلك الترعة التى تشاركهم الحيوانات والحواشات فى الشرب منها

قرية بسيطة اغلب مبانيها من الجالوص او الطوب الني

الا من بعض بيوت المغتربين واعيان القرية

وكل البيوت متشابهة تتسق وسحنات السكان وبؤسهم

والمدهش انهم لا يعرفون انهم بائسين

فالحركة دائبة والضحكات حاضرة

ففي القرية ظرفاء واصحاب نكتة يسخرون من كل شي ويضحكون لاى شى

كانوا قدريين الفقر من الله والمال من الله

وكذا المرض والشفاء والموت

هم قوم متصالحون مع حياتهم

لايرى بؤسها الا قادم جديد او عابر

ومن يستقر يضحي من المؤمنيين بالبؤس والتماهي معه

أنديتهم دكاكين متواضعة تعمل حتى صلاة العشاء دكاكين كانما الغرض منها ليس التجارة

فدكان ود منصور قبلة الحائرين

فهو يشترى كل ماتعرضة

من ذرة او قمح

او حتى خيش

ثم هو يسلفك حتى الحصاد

يجتمع القوم فى دكانه يسمعون نكات وسخرية ود المعاك الذى يسخر من هذا ويضحك من ذاك ويقلد اصواتهم باحترافية

وتسمع بين الفينية والاخرى

الله اجازيك يا ود المعاك

يتفرق القوم بعد ان يؤذن العم الخزين بصوته الأبح

يهمهم القوم بالذكر وصدق الحق

ثم يتوضأ من لم يحافظ على وضوء المغرب ونادرا مايحدث ذلك

: يابتى بطلع متين؟

: يعنى يومين تلاتة

مالك مستعجل ياابوى

: عندى موية القمح

:(ضاحكة!) اطمئن قمحك شرب

: الله ابارك فيهم مابقصروا

لكن حاسي باني كوبس دحين نرجع

: طيب بعد نشوف راي الطبيب

: وانتى شنو؟ انت طبيبة وبتعرفي احسن منهم

؛(ضاحكة) بس عشان بتك

لكن كل واحد فينا بتخصصوا

يلا عندك اكل فى التلاجة دى تاكلو كله

: لا لا خليني هسه

تتجاهل رفضة تفتح الثلاجة الصغيرة

يتطلع اليها كأنه يراها لاول مرة

هل حقا هى نسمة؟

هى نسمة وهى كل ماخرج به من الدنيا

كان يحملها على كتفه اينما ذهب

الجزارة او دكان ود منصور كان سعيدا بها وسعيدة به شبت امامه وامام عينيه ولم تكن زوجته ماريا تعترض او تتحفظ وربما وجدت فسحة ومساحة اكبر للحركة داخل القرية

فهناك منتديات الجبنات التى لا يخلو منها بيت

وعندما بلغت نسمة السابعة من عمرها اصر عم الطاهر ان تدرس مع الاولاد فلم يكن هناك مدرسة للبنات

قبلها المدير اكراما له وسط سخرية اهل القرية

هذة القرية لا ترى داعى لتعليم البنات

والبت للبيت

وكثيرا مايتزوجن فى الثالثة عشر والرابعة عشر الا نسمة

فقد اصر عم الطاهر ان تواصل

خاصة وقد اشاد المدير بتفوقها على الاولاد

كانت دائما الاولى

وهذا اوغر صدر الاولاد ليطلقوا عليها لقب نسمة ولد

لم يهزمها هذا اللقب ولم ترفضه لفظا

بل كانت تنظر بسخرية قاتلة مع ابتسامة غريبة للقائل الذى يتوارى خجلا من هذا التجاهل

: الحمد لله شبعت

: لا لا لازم تكمله كله

: يابتى اجيب بطن من وين للغاويسكم دي؟ كلمي امك بكره تجيب لى عصيدة

:(ضاحكة) ممنوع ياحاج الطاهر

ده مستشفى خاص

: اكون شى وشويات

الله اديك العافية

: اها بدينا نغلط

تدخل ممرضة ترفع ذراعه لتقيس الضغط

ونسمة تراقب بقلق

راى القلق فى عينيها الحادتين

هى نفس النظرة وهو تركب. معه الحمار لتذهب معه لمدرسة متوسطة فى مركز القرية

لم يمل عم الطاهر ثلاثة سنوات ينقلها بل اشترى كارو صغير ليكفيها الحرج

انقسم سكان القرية بين مؤيد ومعارض

وسخرية هنا ونكتة هناك

وتحولت منتديات القهوة المنزلية ودكان ود منصور لتشريح هذة الحالة الغريبة

انزوت ماريا داخل منزلها خجلة ومحبطة

من الطاهر وبنته

وكانت تجد بعض المواساة من سبدات يزرنها

: الطاهر ده الفى راسو بسويهو ماتشتغلى بيه

: وحات الله مجنون

كيفن ازازى ببتو من حلة لحلة

والبت مكانها البيت

ثم فتر القوم او ربما لم يعد هناك مايقولوه عن الطاهر وبنته

انتقلت نسمة للثانوى داخل المركز

حركت ساكن القرية.وماذا يريد الطاهر وماذا تريد نسمة

نسمة تريد الجامعة

تردد عم الطاهر وبدا حائرا

لم ينم تلك الليلة

فقد حذره اعيان القرية واعمام نسمة من الجامعة البعيدة

وكانت لهجتهم حاسمة ربما تصل للمقاطعة

ولم تنم نسمة منتظرة الصباح لتسمع قرار والدها

اجتمعوا للشاي

كانت تنظر للارض

بينما الطاهر ينخس الأرض بعصايته

قطعت الصمت ماريا

: انا بشوف لغاية هنا كفاية يا بتي

وطه رسل امه دايرك

: ماعايزة زواج عايزة اكمل

: تكملي شنو؟ الوصلتيهو ده شيخ الحلة ما وصلو

: اسمع راي ابوي

: لا الضغط ممتاز

مستر خالد حيمر عليه المساء

تخرج الممرضة

: انا عندى شنو يابتي؟ ما تدسى على

لمن أعاين فى عيونك بعرف

وانتي بتعرفي

يابتى كلامنا بالعيون

ماتخافي علي

قولي

سرحت بعيدا وغالبت دمعة كادت ان تسقط

هذا الرجل الامى الذى لا يفك الخط صنع منها انسانة

صنعها من العدم

قدم له مالم يقدمه اب لبنته

تحدى تقاليد القرية

وتحمل ماتحمل

لا لا لن تستسلم الان ولن تسمح له بالاستسلام

ستحارب معه مرضه مثلما حارب معها مرضها

هل هناك اسوء مرض من الجهل؟

وكل مدارس القرية وان كانت بعلاقاتها فى الواقع هو من اسسها

للقرية اربعة مدارس الان

وهناك اكثر من خمسون بنت وولد فى الجامعات

حثت المغتربين لم يبخلوا

الان للقرية بيارة ومركز صحي جيد

لا لا مثله لن يموت بهكذا مرض

: خليها على الله يابتى

هو تاني عندى شنو فى الدنيا

والعشناهو اكتر من الباقى

قالها مبتسما

هو يبتسم دائما

ففى كل ازمة يعادلها بابتسامة مشرقة كانها ابتسامة طفل رضيع

قال جملته وراح فى سبات نوم عميق

علا شخيره

اتصلت نسمة بالتلفون داخل الغرفة

دخل ثلاثة من الزملاء

ظلت عبنيها مثبتة حول السقف

كأنها تتحاشاهم

علا شخيره ثم انخفض

تشجعت اقتربت منه

وضعت يدها على يده الباردة

ضغط عليها

وان كان غائبا عن الوعى الا انه دائما حاضرا عندما تكون نسمة بجانبه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى