مقالات الرأي

د. مجتبى عرمان يكتب: كلب العمدة و رائحة الخوف

سودان ستار

في شأن الالغوريا أو Allegory

__________________________

يُعد جورج أوريل رائد الكتابة الرمزية من خلال أعماله الخالدة علي سبيل المثال لا الحصر مزرعة الحيوانات التي تحكي عن قصة النظام السوفيتي الذي بني إمبراطورية كبيرة وساهم في سحق النازية ،لكن الكلفة البشرية كان عالية ولا تُقارن بما قدمه من تطور علي كافة الصعد، سواء كان غزو الفضاء، أو الاقتصاد، أو محاربة الامبريالية خصوصا دكتاتورية ستالين وما عُرف عنه من دموية. البعض منا اطلع على تلك الرواية الرمزية التى تحكي عن قصة مزرعة في بريطانيا تعود ملكيتها إلي رجل مُصاب بالخمول وغارق إلى اذنيه في شرب الخمر يدعي مستر جونز، وفوق هذا كله يعاني من أزمة مالية خانقة. في تلك المزرعة – التي أظنها غير سعيدة بالمرة – تعيش مجموعة متنوعة من الحيوانات. في ذات صباح بهي يُخبر الخنزير- الذي بلغ من العمر عتيا – مجموعة من الحيوانات بالحلم الذي يراوده حول مشروع الثورة العظيم الذي سوف تقوم به الحيوانات ضد الإنسان بسبب ظلمه للحيوانات التي تم اهمالها وتعنيفها . الركيزة التي تقوم عليها الثورة تتمثل في الانعتاق من البشر وبناء مجتمع الفضيلة، والرخاء، والحرية الكاملة والقضاء على عبودية البشر على الحيوانات. مات الخنزير العجوز ذات صباح متوشح بالحزن ، لكن الثورة فكرة ولن تموت حيث يقوم اثنان من الخنازير بتنفيذ مشروع الثورة، وينجحان في السيطرة الكاملة على المزرعة وطرد مستر جونز العربيد السكير. يختلف الخنزيران فيما بينهما حول فكرة بناء الطاحونة الهوائية وذلك بفعل أنانية أحد الخنزيران الذي تمكن في نهاية المطاف من التخلص من صاحبه بحياكة الدسائس والمؤمرات الواحدة تلو الأخرى حتى جعل صاحبه ينفذ بجلده ويترك المزرعة بلا رجعة – العود ليس أحمد في كثير من السياقات وليس كل النهايات سعيدة حتي في الأدب، وهكذا انتهت ثورة الخنازير بعد أن ضربها سوس الفساد والاستبداد وتحولت إلي نوع جديد من العبودية للحيوانات بعد أن رُفعت الشعارات العظمية على شاكلة: الإنسان يعيش بلا إنتاج ولا يخدم إلا نفسه ولكن في مملكة الحيوان كل ما يمشي على قدمين عدو لنا! وقال الخنزير الذي كتب مانفيستو الثورة: الديمقراطية لنا ولسوانا وسوف نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع. الثورة يجب أن لا يتم استخدامها للمكاسب الذاتية، على الحيوانات أن تُمجد صناع الثورة من غمار الحيوانات لأنهم من صنع الثورات كما بينت شواهد تجربة مملكة الحيوان، وليس القادة من الخنازير. تمكن الخنازير من السيطرة الكاملة على المزرعة ودعا قادتها الكبار من أمثال سنوبل ونابيلون إلى الحرية، والمحبة، والألفة، والقضاء على استغلال الحيوان لأخيه الحيوان تحت أي دعاوي ولكن تحولت تلك الشعارات الجوفاء إلى سجون متلاقصة حتى تم استعباد جميع من كان بالمزرعة بأسم الثورة التي تُراجع ولا تتراجع.

كان هناك مدينة صغيرة تقع ما بين بلاد النيلين حيث يعيش سكانها علي الرعي والزراعة. كان سكان تلك المدينة الصغيرة سعيدين بما اتاهم الله من فضله، والله ذو فضل عظيم. كانت البيوت جُلها من الطين ولكن القلوب من ذهب كما يُقال وكأن قلوب أهل تلك المدينة تُماثل قول مظفر النواب:

قلبي عتيقٌ..عتيقٌ..عتيق

ولكنهُ مثلُ

كلِّ البيوتِ القديمةِ

بيتٌ كبير

في تلك المدينة الصغيرة من امتهن بعض الحرف مثل الحدادين، والنجارين، ولكن كان هناك أيضا بعض الافندية من يشكلون ما يُسمي الطبقة الوسطي من المدرسين، وضباط المجالس المحلية، ووقتها تغنت الفتيات للمدرسين ” يا الماشي لباريس جيب لي معاك عريس شرطا يكون لبيس من هيئة التدريس”. علي الرغم من كل تلك الفوارق والتباينات الاقتصادية والاجتماعية، لكن لا يوجد ما يُعكر صفو تلك المدينة، فجامع تلك المدينة الصغيرة مليء بالمصلين على أيام الجمعة وفي ايام الله السبعة . عند طرف المدينة تقع بعض الانادي لأصحاب المزاج العالي ولكنهم كانوا على قدر عالي من الاحترام، فهم يذهبون إلى تلك البيوت بعد الإنتهاء من الزراعة أو ما يُسمي بالضحوه حيث يذهبون مع طلوع الشمس إلى الحقول ويقومون بالعمليات الزراعية المتنوعة حتى الساعة الثانية عشر وبعدها يتوجهون فرادي وجماعات صوب المشرب حيث يجلسون في شكل تايات وتأتي شيخة الأندية مرحبة بهم وكأنهم هبطوا عليها من السماء حينما لم تكن السماء ذات البروج! للراحل الباحث الطيب محمد الطيب وصف دقيق في كتابه الموسوم: الأندية لأنواع المريسة، إذ يقول: “هناك ما يسمي ( كَبَسْ التور ) والذي يشرب من هذا النوع يصبح شريرا متحفزا للمشاكل والشجار أما النوع الآخر يعرف ب (الجمل برك ) ومن يتعاطاها تظنه واعِ، يظل يحكي بفصاحة ومنطق ووعي ولا تظنه (سكران) ولكن ما أن ينهض واقفا حتي تنهار قواه ويجثو علي ركبتيه كما يبرك الجمل . تالله، لا لم يُفوت أصحاب المزاج واجبا في المدينة وإلا كانوا من اوائل الحاضرين. في الاتراح كانوا أول الحاضرين بعمود البكاء الذي يتكون من الكسرة الحمراء المصنوعة من دقيق الفتريته او العيش الذي يودر الكرميش ولمدة ثلاث ايام حُسُومًا حتي يتم رفع الفُراش . فوق هذا وذاك قام هؤلاء الرهط من الناس بتربية أبنائهم تربية حسنة علي هدى قيم مجتمع المدينة الصغيرة حتى صاروا يُشار إليهم بالبنان. كان الزمان نديا والنفوس طيبة ولا توجد فوارق طبقية بين الناس. الوجبة تتكون مما جادت به الأرض من خُضرة، وقرع ود العباس حيث الخمسين بقرش والهواده مائة! كانت حتى العصاري ذات نهكة خاصة حيث يذهبن الفتيات المغلفات برائحة الموز ،اللائن تبدو عليهن النضارة ، وكُن يستخدمن ‘ اللخوخه’ لزوم ما يلزم من أدوات التجميل قبل الفسخ والجلخ وسدنة الكريمات وتجارها غُلاظ القلوب، ووقتها الخضرة كان يتغني لها كبار الفنانين ولا تبديل للون الذي منحنا لنا الرب وزادته شمسنا الحارقه سمارا. الم يتغني عثمان الشفيع في إحدى أغنياته الجميلة “خداري ما بخلي” ومحمد عثمان وردي الذي اشعل النار والحب في قلوب المحبين : “في اللون الأسمر ذوبته شبابي واخترت الجنة في الجنة عذابي ”. ولا ننسي الأغنية ذات التطريب العالي وكاملة الدسم:

google.com, pub-1840596202921895, DIRECT, f08c47fec0942fa0

” زولي الأخضر كن شفتو بخدر” وغيرها من الأغاني التي تتغزل في السمار قبل أن يلقي حتفه على أيدي تُجار الكريمات وتوجهات من بيدهم الملك العضوض وهم يتوجهون صوب الجزيرة العربية من خلال الوسائط الإعلامية المتعددة باحثين عن بياض اللون قبل بياض القلب! كان حتي الغزل عفيفا لا يعدو أن يكون علي شاكلة ” القمر بظهر بالنهار، وين يا انتم، زيدني من دلك شويه، وتعزز الليمون عشان…!” كانت الأعراس في غاية البساطة والضلع يتوسط صينية الغداء قبل الافقار الذي تم بفعل طغيان رأس المال وسجل لي عرباتك ما أنت العسل ذاتك. كان العروسين يُعطيا اهتماما كبيرا وخصوصا العروسة التي يتم حبسها ولا ترى الشمس إلا شمس الصباح الباردة وضُل الضحي. وكان يُؤتي بالثلج الذي يوضع في الحمام وعليه النشارة حتى لا يذوب و الحفلة حتى الصبح والحقوق مرعية. كان كل شيء يسير كما ينبغي، بدعوة الأمهات وصبرهن علي متاعب الحياة ودعواتهن التي ليست عليها صلاحية الإنتهاء، واخيرا بفضل الله ولطفه. لم يُعكر صفو الحياة في تلك المدينة الصغيرة الوادعة سوي العمدة الذي نصب نفسه حارسا لتلك المدينة وقيمها. كان العمدة رجل كما جاء في وصف أحدهم في كتب البلاغة عريض المنكبين،عبل الذراعين،مفتوش الفاتشات، مشرئب الحلنقات،مستبد الأبعاع،شلولخ عريض المنكبين حيث استولى على اراضي المدينة بحكم علاقته بالافندية في مكاتب الدولة وجمع اموالا طائلة بالفهلوة واللصوصية. قام ببناء جامع صغير لأهل مدينته لزوم التقرب من الله وكان يذهب للحج كل عام. همس الأستاذ جابر في أذن صديقه عبد المتعال وهم جالسين تحت شجرة النيمة- الضخمة التي زُرعت امام مكتب المدير ليجتمع فيها الأساتذة في الفُسحة وفي بعض الأحيان يصوبون كراسات التلاميذ – قال جابر لصاحبه: العمدة هذا يجمع في وسخ الدنيا وكأنه مُخلد فيها ولا نراه يختلط بأهل القرية ولا يشاركهم افراحهم ولا أحزانهم. فهو أما يتواجد في مزراعه التي يُقال انها بلغت 99 فدانا من الأراضي الزراعية الخصبة على الضفة الشرقية من نهر النيل الأزرق، أو تجده في مكاتب الحكومة ومع كبار الافندية. يُقال انه هذه الأيام يُساسك من مكتب إلي مكتب من أجل بناء مصنع بشراكة مع الخواجات أو تركيا لإنتاج السكر بعد زراعة قصب السكر في مزراعه المتعددة، والبعض يتحدث عن استخراج معدن نفيس في أرض يُقال أنها ترجع إلي ممكلة سوبا وهذا الموضوع به تتكم شديد ومن يتحدث عنه حتى همسا سيذهب به وراء الشمس والضبان الأزرق ما يجيب خبره. قال الاستاذ عبد المتعال لصاحبه المدير قصة حج العمدة دي تذكرني قصيدة سمعتها من شاعر فحل في بلاد الشايقية الذين عرف عنهم شيطان الشعر، يقول هذا الشاعر الفحل وكأنه يقصد عمدتنا هذا

يا مِتلبّك في الأدران ..

الحجر الأسود ما هو البروة

وما ها مكاوى الكعبة تجيها ..

حين ينكَرْفَسْ توب التّقوى

ومافي خُرَط لي الجنّة تودِّي ..

لا في خُطط ممهورة برشوة

يا أستاذ هذا الكلام يجب أن لا تتفوه به أمام العامة لأنه سيصل إلى العمدة وهو كما تعلم كالحرامي الذي فوق راسه ريشة. في تلك اللحظة تناول السيد المدير الحُقه من صديقه ووضع سفه على شفته السفلي وضرب الحُكه بطريقة درامية وارجعها إليه مرددا أبياتا من الشعر لأحد الشعراء :

لا صحينا عاجبنا الصباح

لا نمنا غطانا العشم والحله من كل الجهات

محروسه بالخوف والوهم

احكم العمدة قبضته علي كامل المدينة الوادعة وذلك بما له من مال وعلائق مع الفاسدين من الافندية في مؤسسات الحيكومة. انقلبت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية رأس على عقب حيث نهش الجوع بسطاء الناس، بل حتي قيم المروءة والصدق بدأت تنزوي تدريجيا ولا أحد يثق في الآخر. صارت الناس تشُك في بعضها البعض وفي أقرب الاقربين. هاجر بعض المتعلمين الي السعودية وبلدان الخليج، ولأول مرة يهاجر البعض إلي كندا وامريكا التي لم يسمعوا عنها إلا في حصص الجغرافيا. من بقى من أهل تلك المدينة صار مشغولا بالخبز الحافي وقُفة الملاح والخُرج الذي يُحمل علي ظهر الحمار حيث حلت محله أكياس صغيرة الحجم تسمي الجيلاني مصنوعة من البلاستيك المُضر للبيئة وصحة الأنسان معا. ظهر الفقر علي تلك الوجوه المُتعبة بعد أن صارالناس يشترون اللحم اقل من ربع الكيلو يسمي ” ميس كول” كناية عن الصغر المتناهي وهو ماخوذ من عالم التلفونات الذكية. بعد ان كان العمدة يمتطي عربة بوكس موديل الثمانينات صار يركب عربة اللاند كروزر التي تُسمي الليلي علوي تيمنا بحسناء الشاشة المصرية. تفنن العمدة في نشر روائح الخوف والموت في تلك المدينة الصغيرة الوادعة عبر اتيانه بكلب من فصيلة شرشه من خارج المدينة، وقام بالاشراف عليه من خلال التغذية الجيدة. إذ يصحو باكرا يتسكع في شوارع المدينة وهو يمسك بالحبل الذي على رقبة الكلب الذي ما زال جروا ولكن مفتول العضلات وبالرغم من صغر سنه لكن بسبب الشعر الذي يتدلي من رقبته وذيله الضخم كانت حتى كلاب المدينة تهابه. في المساء كان الكلب يجلس فوق الباب الرئيسي الذي تتدلي منه النباتات المتسلقة وبه جهنمية حمراء، ويصدر صوتا يحاكي صوت الأسد… هاهاهاهاها واسنانه تبدو حادة وصارت تصفر يوما بعد يوم. في ذات صباح بهي عض الكلب شاب- ينتوي السفر إلى جامعته فى الخرطوم – وغرز انيابه في كعبه حتي ظهر العظم. حمل الناس ذاك الشاب المسكين الي الكلينك الوحيد بالمدينة ، ولحسن حظ الشاب المسكين الذي هو وحيد ابويه كان هناك آخر لقاح موجود وجيء بالشاب إلى المنزل. عند المساء تجمع أهل تلك المدينة الصغيرة الوادعة ،أي العقلاء منهم وذلك من أجل التحدث مع العمدة بشأن هذا الكلب الشرير الذي لا يختلط حتى بكلاب المدينة لاحساسه بالزهو أو التيه، والتفرد وسط تلك الكلاب التي نادرا ما تجد قطعة لحم إلا في عيد الضحية والتي تكون عبارة عن اضلاف الخروف أو ما تبقي من لحم في الجلد الذي نساه صاحبه ولم يذهب به إلى الجامع كما قال العمدة. صارت روائح الخوف الزنخة تنتشر في المدينة كما تنتشر النار في الهشيم بسبب الكلب الذي كبر حتي صار أكبر من الأسد، ويصول ويجول علي عباد الله المساكين ، يعُض من طرف كل من وجده أمامه وحتي الأطفال تركوا الحي الذي يتواجد به هذا الكلب. اجتمع بعض الاهل في المدينة للذهاب إلى العمدة ليحدثوه عن امر هذا الكلب ويا حبذا لو حاول التخلص منه والاكتفاء بما لديه من رجال يقومون علي حراسته وحراسة أمواله التي صارت بالملايين من الدولارات حتى شاع خبر بين الناس أن العمدة يمتلك خزنة لا تفتح الا ببصمة العين.اُوكل امر التحدث إلى العمدة إلي الأستاذ عبد المتعال لأنه عُرف عنه اللباقة وفن الخطابة. ذهبوا إليه بعد صلاة الصبح مباشرة، وجدوه مشغولا مع ابقاره الفريزيان التي يشرف عليها بياطرة من خارج السودان. جاءت الشغالة التي لا تتحدث اللغة العربية واجلستهم في الصالون الضخم ولم تأتي مرة أخرى إليهم لزوم الضيافة كما جرت العادة. جاء العمدة بعد ساعتين من الزمان، وسلم عليهم سلاما باردا وقبل التحدث إليهم قال لهم عذرا لدي محادثه تلفونية من خارج السودان ويجب على أن أرد. قال العمدة لمحدثه أنه قام بإرسال مبلغ مليون دولار أمريكي – الدولار ينطح دولار – لجلب الماكينات لتشغيل المصنع. بعدها وضع تلفونه- آخر صيحة في عالم التكنولوجيا- أمامه وقال لهم الدنيا مشاغلها كتيرة، شن جابكم لي اليوم. تنحنح الأستاذ عبد المتعال وقال للعمدة: نحن هنا يا عمدتنا بشأن هذا الكلب الذي أدخل الرعب في قلوب الكبار والصغار من أهل المدينة. تنحنح العمدة ولمس لحيته الدائرية، و زبيبة الصلاة على جبهته وقال بنبرة حادة : ” شوفو يا ناس الكلب ده لو جينا إلي الحق، يا هو الحارسكم من الحرامية الذي يتربصون بنا من كل حدب وصوب، ويحطونا بنا إحاطة السوار بالمعصم لأن مدينتنا هذه غنية لا يوجد لها مثيل في المدن التي من حولنا. نحن نتمتع بالمياه الوفيرة، و الثروات الزراعية،و الدهب وده الجاب لينا التامر من الاقربين والبعدين، وروني بلد شاقيها النيل كررررر من حدها لحدها! ” هنا حاول الأستاذ عبد المتعال مقاطعته قائلا:” لكن يا العمدة الثراء الذي تتحدث عنه لم ينعكس علي حياة اهل تلك المدينة….. ” هنا قاطعه العمدة قائلا لهم لانكم انتم ناس كسلانين وبتاعين منضمة، وقاعدين تحت الضل وما عندكم شيء غير الكلام الكتير في الناس الناجحة في حياتها بسبب كدها وإجتهادها، دحين اديكم الكلام من قصره، الكلب كلبي وحارسكم وانتم نايمين تشخرو في منازلكم ، يلا كل زول يشوف مشاهده اي ليذهب كل وأحد منكم إلي عمله. مرت الأيام والشهور وصار الكلب ينهش من طرف في أهل تلك المدينة ولكن شاءت الأقدار وخرج الكلب عن طوع العمدة. ففي ذات مساء قام الكلب بعض الشغالة الأجنبية ودخل على حوش الأبقار الفريزيان وغرز انيابه في تلك الأبقار ولم يترك حتى العجول الصغيرة. أخرج العمدة كلاش من بيته وحاول أن يقتل الكلب الذي كان في حالة هياج غير طبيعي مما اجبر العمدة علي امتطاء عربته الليلي علوي حتى دخل الجامع. وقفت المدينة قرون قرون كما يُقال، يشاهدون هذا المنظر الذي أدخل الرعب عليهم. امسك العمدة بمكرفون الجامع وصاح في الناس قائلا: ” هلموا يا ناس لحماية مدينتكم من الوحش المفترس، هبوا إلى حماية عرضكم وشرفكم ودفاعا عن كرامتكم التي داس عليها هذا الوحش…!!” البعض من أهل القرية أخذته الحمية وفعل به خطاب العمدة الافاعيل، وقال لهم اتبعوني إلي مخزني عند طرف المدينة لاصرف لكم بعض البنادق والحُراب لقتل هذا الوحش، واني ذاهب إلى خارج المدينة لطلب العون واسأل لكم الله التوفيق والسداد.” الأستاذ عبد المتعال ومجموعة صغيرة من أهل المدينة كانت ترى أن المواطنين يجب أن لا يقاتلون هذا الكلب الذي شب عن الطوق بتلك الطريقة التي قال بها العمدة لأن استخدام السلاح سيجلب مزيدا من الدمار وخصوصا هناك أطفال ونساء لا قبل لهم بهذا الدمار الهائل وخصوصا أن الكلب صار بحجم الأسد بسبب الخراف التي يتلهما يوميا وهو لا يأكل اللحم الذي يقع على الأرض لأنه من فصيلة نادرة. جلس الأستاذ عبد المتعال تحت ظل النيمة التي امام منزله مع مجموعة من أصدقائه، مرددا مع أحمد شوقي بيت الشعر الذي دوما ما كان يردده علي تلاميذه

والحرب يبعثُها القوي تجبُّرًا

ويَنوءُ تحت بَلائها الضعفاء…

قائلا لمن معه بأن الحرب بدأت مع قابيل وهابيل وظلت ملازمة للتاريخ البشري الذي هو تاريخ الجوع والحروب ، ولكن المجتمعات المتحضرة تلجا الي الحلول السياسية والعقلانية لإيجاد حلول لمعضلاتها الحياتية وليس هدم المعبد على رؤوس الجميع انسياقا وراء دعوات الرجرجة والدهماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى