مقالات الرأي

علي ياسين يكتب: تاريخ (البلبسة) في الميثولوجيا الهندية 

سودان ستار

 

ربما كان الحمار – حسب الأسطورة الهندية – هو أول “بلبوس” على ظهر الأرض تم توثيق بلبسته (مع أنني شخصيا أعتبر الحمار أحد أذكى فصائل الحيوان ، و أن ما لحق بسمعته من استغباء ليس إلا ثمرة من ثمرات “روح القطيع” البشري ، الذي يتجلى أكثر ما يتجلى في البلابسة)..

أرجو أن ألفت وعي القارئ الكريم إلى أنني حين أذكر البلابسة لا أعني بهم الكيزان ، بل أعني بهم ضحايا الكيزان ممن تم خداعهم بأن الحرب الملعونة هذه (حرب كرامة) ، مع أنهم يبصرون بأعينهم ، كل صباح جديد ، كيف تمرغ كرامة الجيش، و من ورائه الكيزان ،في الأوحال بأيدي جنود الدعم السريع ، و يرون أيضاً كيف تمرغ كرامة هذا الشعب الأبي ، و كرامة البلابسة أيضاً ، بالوحل على أيدي الكيزان فاقدي الكرامة.

لنعد إلى الأسطورة الهندية.. فقد روت إحدى عجائز الهند ، أنه في إحدى الغابات المطيرة كان يعيش أسد داهمته الشيخوخة، ضمن عائلة كبيرة من اللبؤات و الأسود الفتية و الأشبال ، فكان يعيش في رغد مما تصطاده اللبؤات و شباب الأسود ، بعد أن كلت مخالبه و أسنانه. و لكن الأسد الهرم نسي نفسه حين رأى أسدا شابا يغازل لبؤة من لبؤات القطيع ، فأغلظ له “الزئير” و شتمه ، فما كان من الأسد الشاب إلا أن انقض عليه فصرعه ، ثم أمره بمغادرة القطيع فوراً ، و إلا قتله.. فقام الأسد العجوز ، ذليلا ، بمغادرة القطيع ، هائما على وجهه في الغابة ، نادما على حماقته التي ستجعله يجوع كثيرا ، و ربما يموت جوعاً..

على حاله تلك ، لقيه ثعلب (لم تقل العجوز الهندية راوية الحكاية أن الثعلب اسمه البرهان ، كما لم تقل أبدا أن اسم الأسد العجوز “المؤتمر الوطني”، أقدم هذا التنويه فقط لعلم القارئ).. سأل الثعلب الأسد العجوز عن حاله ، فشكا له مر الشكوى:

– كما ترى أيها الثعلب ، لا أجد عرينا يؤويني ، و لا أستطيع الصيد فقد ضعفت قوتي عن مطاردة الفرائس..

تظاهر الثعلب بالرثاء لحال الأسد ، فقال له بحنان:

– تعال معي يا مولاي ، هناك دغل ظليل في طرف الغابة ، سأتركك لتستريح فيه ، ثم أذهب و آتيك بفريسة تليق بجلالتك..

لم يصدق الأسد العجوز وعد الثعلب ، فاضطجع حيث ساقه الثعلب ، منتظراً الموت جوعاً ، بينما انطلق الثعلب يجري في الغابة ، حتى لقي الحمار فخاطبه من بعيد:

– بشراك يا ولي العهد ، أرسلني إليك جلالة الملك!!..

تساءل الحمار مندهشا: و لماذا يريدني جلالة الملك ؟

– لقد شاخ و خشي أن يموت قبل أن يرشح من يخلفه على المملكة ، و لقد ظل يفكر أسبوعاً كاملاً في أكفأ حيوان لخلافته ، وقال لي إنه لم يجد أكفأ من الحمار ، لأنه قوي و حكيم و صبور. أمرني أن أستدعيك فوراً لينصبك ملكاً..

سيطرت روح “البلبسة” على الحمار ، فصدق رواية الثعلب ، فانطلق معه إلى حيث يرقد الأسد الهرم ، وما إن اقترب من الاسد الجائع حتى انقض عليه ، فجفل الحمار هاربا ، و لكن بعد أن قطع الأسد أذنيه..

لحق الثعلب بالحمار قائلاً له:

– أيها الغبي ، ألا تعرف لماذا قطع مولاي الملك أذنيك ؟

– لماذا ؟

– لأن أذنيك الطويلتين تعوقان وضع تاج الملك على رأسك الطويل ، فلم يكن بد من قطعهما..

فكر الحمار قليلاً ، فرأى التبرير مناسباً ، فعاد مع الثعلب ، حتى إذا رأى الأسد العجوز ينقض عليه ، أسرع بالفرار ، فأدرك الأسد ذيل الحمار فقطعه..

أسرع الثعلب خلف الحمار مرة أخرى ، صائحا:

– كيف ستتمكن من الجلوس على العرش مع ذيلك الطويل الخشن هذا ؟ قطعه مولانا حتى يسهل عليك الجلوس على العرش..

مرة أخرى استحسن دماغ الحمار تبرير الثعلب ، فعاد معه طائعا.. هذه المرة استمتع الأسد بوجبته ، و كان نصيب الثعلب ذراع الحمار.. و لم تختم العجوز الهندية قصتها بالقول: و هذا مصير البلابسة المخدوعين في كل عصر و أوان ، و خصوصاً “المستنفرين” منهم…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى