ثقافة وأدب

عمار الشريف – ما هذا الظلام؟!

سودان ستار

 

ما هذا الظلام؟!

لا يوجد سوى نور خافت في آخر النفق..

ربما يأتي من خارج غُرفتي.

لازلتُ أستطيع رؤية الساعة في غرفتي و هاهي تُشير إلى الواحدةُ الوحيدة و ثلاثون ذِكرى.

لا أتذكر كيف غفوت وماذا كُنتُ أفعل قبل أن أغفو!

تُرى هل فقدتُ الذاكرة؟

لكني لا زلت أحفظ اسمي و أبي و أجدادي الكبار إلى سابع جد كما يُقال!

إذاً يبدو أنها الموتةُ الصُغرى.

مهلاً! أين الضوء؟ لقد أختفى!

يبدو أني قد متُّ حقاً!

لا لا مستحيل!! فـ قبري لا يجب أن يكون بهذا الظلام و هذا البؤس!! لطالما دعوت الله أن يجعله منيراً كـ روضةٍ من رياض الجنة، ثم إني لا زلتُ أتحسس ثيابي علي!

أم أنه كفني؟ أو رُبما نِلتُ الشهادة كما تمنيتُ طويلاً.

حسناً..كفى هذياناً! يجب أن أصحو.

لا زلت لا أتذكر ماذا حدث قبل نومي! ثم إني لا أنام ليلاً منذُ مُدة.

أُمي؟!

أتلكَ أُمي تنام بالقرب مني؟ ماذا جرى؟

هل عُدنا لبداية الألفينيات؟ و كم هوَ عمري الآن!

آآآآه

رباه! لا زلتُ أستطيع إصدار صوت، إذن لا زلتُ على قيد الحياة، الحمدلله.

حسناً، يجب أن أصحو مُجدداً و أفهم ماذا يحدث الآن!

المصباح!

هل أُضيئه الآن؟ نعم رُبما يجب أن أفعل.

لكن أمي!

ذاك الملاك بعينا حورية نائمة سيستيقظ.

ثُم  إني لا أعلم أين زر التشغيل من سريري الآن!

سأكتفي بذاك الضوء في آخر النفق فقد بدأت أستعيد رؤيته قليلاً. لكن مهلاً! هل أنا فوق السرير الآن؟

شعورٌ مُرعب!!

لم أكُن أعلم بأن الهدوء التام مُزعج جِداً.

أشعر بفراغ! لا لا كأني أنا الفراغ بذاته!

أشعر و كأني أطفو فوق اللاشيء! و كأني حبةُ ثُريا تطفو في الفضاء لا يعلم عنها أحد سوى خالِقها.

لكن شيءٌ ما مُثقل هُنا !

ما هذا؟ أهوَ رأسي مُجدداً! لما هوَ ثقيل هكذا؟

هل هيَ الثلاثون ذكرى حقاً؟! لكني كُنتُ أهذي لا أكثر!

أُمي! أُمي! أُميي!! أستيقظي.

حُباً بالله أستيقظي!! لعلكِ تُخبريني ماذا جرى!

لا جدوى! يبدو أني لازلتُ أُعاني من نوبة الإلتهابات الحادة التي تُضعف صوتي لوقتٍ غيرُ معلوم. وما الجديد؟!

فأنا و مشاعري دائماً نصرخُ بلا صوتٍ أو صدى.

لكن لما لا تستطيع يداي أن تصل إليها؟

لما تستلقين بعيداً يا أمي؟!

بالله عليكِ أقتربي، فقد بدأ الخوف يتسللُني!

ضميني يا جنتي ضميني!! و لأنام مُجدداً وبعمق، فلم أعد أريد أن أفهم شيئاً، بل لا طاقة لي بأن أتذكر شيئاً!

لستُ في عداد الموتى فأنا أرى جفونكِ بِحُبٍ و وضوح رغم الضوء الخافت. حتى أني أتحسس العلامات الحيوية بداخلي، لازلتُ أتنفس و أشعر بنبض أسفل عُنقي،يستحيل أن أكون قد مُتُّ إذن فـكُلُ العلامات الحيوية بداخلي تنبضُ بالحياة إلا تلك الحرارة التي تتفجر في أَدَمَتِي.

هل هيَ الحُمّى مُجدداً؟!

نعم أستطيع أن أشعر بها من خلال تحسسي لجدار غُرفتي الأملس.

إنّهُ بارد جِداً مِثل عُلبة الكوكا كولا.

لطالما تعجب أهلي من وضعي لسريري الصغير ملاصقً للجدار و كأنهُما قِطعةُ أثاثٍ واحِدة، ولم يعلموا أن هذا الجدار رفيقي حين ترتفع درجة حرارتي أثناء هدوء نومهم العميق.

كنتُ أستطيع الذهاب لأُمي كي تُلامس خدي بيديها الناعمة حيثُ تبدأ بلمس وجهها ثم تتحسس خدي لُتقارن بين درجة حرارتينا

فـ أنا لا أُعاني من طيف التوحد أو ما شابه

لا لا..  لكن،

الصمتُ يُفضِّلُني مُجدداً، و جُدران غُرفتي دائماً في الخدمة،

لحظة تأمل،

فأنا حقاً يجب علي أن أفهم ما الذي حدث،

أتأمل ذاك الطعم الغريب العالق في براعم التذوق أسفل لساني. طعمٌ مُر و لاذع ألِفتهُ شفتاي كثيراً!

أظنُ أنها حبة البندول التي أعتدتُ شُرب حبتين منها كل مساء.

مهلاً!  بدأ الغمام يزول عن عيناي، و بدأتُ أُدرك كل شيء.

يبدو لي أن المرض أشتد فأرتفعت حرارتي من أثر التراكُمات و ربما دخلتُ في غفوة غيبوبية لا أذكر بدايتها، و ها هي أمي تقف قريبةً من جسدي بعيدةً عن هذياني الشاحب الذي لا يكاد يسمعهُ أحدٌ غير بقايا قلبي المُكتظّ بـ اللاشعور في هذه اللحظة.

و بعد أن بدا لي أني فهِمتُ كُل شيء،ماذا الآن؟!

حرارتي ترتفع، و يبدو أنّه السبب وراء هذا الهذيان الذي لا هدف له ولا غايةَ تُرجى مِنه!

جميلةٌ هيَ أُمي التي ظنت أن البندول يداويني.

أعلم أنهُ منطق، لكن المنطق لا يعمل في عالم يبدأ حين تكشف الساعة الرقمية في هاتفي إلى صفر ليس بعده ولا يسبقهُ شيء. 00:00.. وقتها يبدأ عالم اللامنطقية.

ظننتُ أنهُ عالم ينزف بهِ العُشاق و مصاصي الدماء لكن خانني ظني فـكُلي الآن ينزف ولا أدري لِما!.

رُبما هوَ الخُذلانُ مُجدداً.

و لي بقية أطول أتلوها مع ربي.

“سأصحو”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى