ثقافة وأدب

المطر والحراز – عائشة جلال

قصة

من المؤكد أن كل من يقرأ هذا العنوان … تطرأ على خاطره

 

تلك المقولة التي حفظناها منذ نعومة أظافرنا ..

 

“بيني و بين فلان ما بين الحراز و المطر “..

 

و هذا يدل على الخصام ..

 

فمن المعروف لدينا أن شجرة الحراز تتعرى من أوراقها منذ

 

أن يدخل فصل الخريف ..

فكرت مرارا و تكرارا ..

 

عن السبب الذي يجعل هذه الشجرة تسلك سلوكا غريبا

 

كهذا ..

 

لم أفكر في الأمر من ناحية علمية ..

 

فساقني خيالي إلى تلك القصة ” وردية اللون ”

 

التي نشأت بين شجرة ضخمة وهي بطلة قصتنا

 

“شجرة الحراز “..

 

و بين حبيبات صغيرة ساحرة المفعول و الأثر ..سميت

 

مجازا ب”المطر “..

 

ففي قديم الزمان إعتادت هذه الشجرة أن تنتظر فصل

 

الخريف على أحر من الجمر ..لأنها تعشق المطر حد

‏ الجنون ..

 

وعند اقتراب حضوره..تجتمع عندها العصافير لتنشد اعذب

 

الألحان و تجتمع كل الحيوانات حولها ..

 

و كأنها تحيي معها كرنفالا لإستقبال الحبيب المنتظر ..

 

و تكون الفرحة الكبرى عندما تكتسي السماء بكتل من

 

الجليد متباينة الألوان مابين الأبيض و الأسود

‏ ومزيج منهما ربما يكون لونا رماديا ، هي سحب كثيفة ..

‏ينشأ عنها بطل قصتنا الآخر “المطر”..

 

فما أن تبدأ تلك الحبيبات الساحرة بالهطول حتى تكتسي

 

أميرتنا “شجرة الحراز” بأوراقها الخضراء وغصونها التي

‏ تتدلى حتى تحجب عنها الرؤية..فتبدو في أبهى حلة..

 

تتناثر حبيبات المطر على تلك الأوراق فتغسل عنها أرق

 

الشهور الفائتة و تحتضنها الجذور لتروي ظمأها..

 

كانت هذه الشجرة تظن أن المطر هو هدية من السماء

 

تخصها وحدها..وتعيش كل خريف على هذا النهج ،تستمتع

‏ بهطول الأمطار وهي مغمضة العينين ..وتستمع إلى صوت

‏ المطر وتحسبه شيئا من الغزل فتمتلئ حياءً و تزهر ..

 

وفي يوم من الأيام قررت هذه الشجرة أن تزيل تلك.

 

الأغصان التي تحجب عنها الرؤية حتى تشاهد منظر

‏ المطر ..فهي لم تره قط..كانت تكتفي بذلك الإحساس

‏ الذي يغمرها عند هطوله ولكن الفضول دفع بها إلى هذه

‏ الفكرة ..قامت بإزالة الأغصان و انتظرت قدوم فصل

‏ الخريف وقامت بكل الترتيبات اللازمة ..وما أن أخذ

‏ المطر في الهطول حتى دبت الحياة في الأرض ..

‏و أخذت ‏ الأشجار منظرا يسر الناظرين ، و اكتست

‏ بالخضرة ..وتفتحت أزهارها ، نظرت أميرتنا إلى هذه

‏ المناظر التي لم ترها من قبل .. و اندهشت من هول ما

‏ رأت ..فقد كانت تحسب أنها الوحيدة التي تزدان في

‏ فصل الخريف..

 

تملكها شعور مؤلم ..

 

فكيف للمطر أن يعاملها كالأخريات ..

 

كيف له أن يجعل قطراته تلامس أوراق شجرة أخرى

 

غيرها ..!؟

 

إمتلأت غيظا من فرط الغيرة ..و تساقطت أوراقها من شدة

 

الحزن..

‏فحبيبها الذي تحيا لأجله ،قد بات خائنا في نظرها ..

 

حاولت أن تستوعب الأمر ..

 

فسألت : إذا طالما أن المطر لا يخصني وحدي لماذا

 

تجتمعون حولي ..؟!

 

ردت عليها العصافير : هذا فقط لأنك شجرة ضخمة و

 

أوراقك الكثيفة تحمينا من صفعات المطر ..فنحن نستمتع

‏ بالبقاء على اغصانك الضخمة ..و توفرين لنا الحماية ..

 

إذا….. كل ما عاشته في السابق كان وهما ..

 

أو شعورا مزيفا ..

 

المطر ليس حبيبا لها ..

 

وليس من أملاكها الخاصة ..

 

وليس هدية لها من السماء كما ظنت ..

 

و رغم أنها عرفت حقيقة الأمر ..الا أنها كانت تشعر

 

بالغيرة ..

 

فقد أحبته بصدق ..

 

كان لهذه الحقيقة وقعا بالغ الأثر في نفسها ..

 

وفي لحظة غضب اتخذت قرارا ..أن تكون مجردة من

 

الأوراق كلما جاء فصل الخريف ..

 

لن تكون شاكرة للمطر .. ولن يكون هو سبب

 

حياتها ..ستاقبله بالجفاف..

 

وتكتسي بالأوراق في كل الفصول ” عداه “..

 

وما زالت إلى يومنا هذا تصون العهد ال

نفسها في لحظة غضب ..

 

و انتهت القصة الوردية بأن تحول ” الحب ” إلى “ح رب”

 

 

وخاصمت. ” شجرة الحراز “. حبيبها ” المطر “. ..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى