مقالات الرأي

د.محمدين الأمين: مقدمة بحث عن السلوك الحيواني عند البشر المعاصرين

سودان ستار

بسم الله الرحمن الرحيم

(يأيها الناس !! إنا خلقناكم من ذكرٍ، وأنثى، وجعلناكم شعوباً، وقبائل، لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.. إن الله عليم خبير)..

صدق الله العظيم

 

أولا: تمهيد:

الإنسان حيوان مفكر، وهذا التعريف أدق من القول بأن الإنسان حيوان ناطق، إذ أن كل الحيوانات ناطقة.. وبالفكر استحق الإنسان الكرامة فقد جاء في الحديث القدسي: “ما خلقت خلقا أكرم عليّ من العقل”.. والإنسان بحكم نشأته الأولية إنما هو شهوة ركب عليها عقل ليسوسها، ويهذبها، ليترقى نحو إنسانيته ولذلك فهو في مسيرة حياته، متجاذب بين الحيوان من أسفل والإنسان من أعلى.. والإنسان المعاصر لا يزال يستخدم قواه العضلية في حل مشاكله، كما تفعل الحيوانات، وقد يمارس العنف بدرجة أبشع ببعيد مما يفعل الحيوان الأعجم لمكان القدرة على التفكير.. فإذا فشل في تحقيق مبتغاه، وثبت بالتجربة عدم جدوى العنف في إنهاء المشكلة، اتجه إلى الحوار الفكري بدل العنف، فتبرز فيه صفات الإنسان بعد أن كانت مغطاة بشراسة الحيوان الذي لا يزال رابضا بداخله، ولذلك سميت المرحلة الحاضرة، من تطوره، مرحلة الجسد والعقل المتنازعين..

وعلى هذا الأساس يمكن أن نقول إن الإنسان متطور عبر الصراع الاجتماعي، من الحيوان إلى الإنسان، أو من مرحلة الحيوانية نحو مرحلة الإنسانية.. والبشر المعاصرين لا يمكن إدراجهم في مرحلة الإنسانية، فهم، بصورة عامة، لا يزالون في مرحلة الحيوانية، فالحيوان كمرحلة في مسيرة التطور، لا تعني الحيوان الأعجم وحده، وإنما تشمل أيضا، البشر الذين يمارسون العنف في حياتهم بأي صورة من الصور.. والقرآن يسمي البشر في هذه المرحلة من تطورهم، “بني آدم” قال تعالى: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا “.. قال ” كثير ممن خلقنا ” ولم يقل “جميع من خلقنا”، والاستثناء هنا يشير إلى الإنسان المعرف بالألف واللام، فبني آدم أو البشر، غير مفضلين عليه، وإنما هم مشروعات نحوه.. والقرآن مليء بالدعوة إلى التفكر، بل يكاد يكون كله موظف للتفكر، ولكن الفكر قابل للالتواء مع نزعات الحيوان في الإنسان، ويسمى العقل في هذا المستوى بعقل المعاش، أما الفكر المطلوب دينا فهو الذي يدفع الإنسان نحو إنسانيته، ويسمى العقل في هذا المستوى بعقل المعاد.. فكأن عقل المعاش مكلف بحفظ حياة الحيوان في الإنسان، كبنية تحتية، وعقل المعاد أيضا مكلف بذلك ولكن بتنمية حياة الإنسان في الإنسان كبنية فوقية..

ومن أجل توضيح هذه النقطة الجوهرية، قال تعالى عن المشركين: “وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير” فهم كانوا يوظفون عقولهم للاستجابة لدوافع الحيوان فيهم بالاحتيال لتنفيذها، ومن ثم يحدث الإضرار بالآخرين.. ولذلك فهم لا يفكرون التفكير المطلوب دينا، وعلى هذا المعنى ففكرهم ليس بفكر، وعقلهم ليس بعقل كما عبر القرآن.. والمنتظر من البشر الذين يعمرون هذا الكوكب، أن يتطوروا عبر الصراع الاجتماعي بالفكر والتجربة، لتخرج عقول المعاد من عقول معاشهم، ليبرز الإنسان وتبدأ مرحلة الإنسانية التي جاء طلائعها في التاريخ، من الأنبياء الموحدين، وهي مرحلة سلام خالية من العنف تماما، ولذلك سميت مرحلة الجسد والعقل المتسقين..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى