إقتصادقراءاتمال و أعمال

د.سحر حنفي محمود: سلام القوة لا الضعف

تحتفل الأمم المعاصرة في تلك الأيام باليوم العالمي للسلام، سلام في عالم يموج بجميع أنواع الاضطرابات وتضرب شتى صنوف الأزمات بجذورها في كل الاتجاهات. ونحن في مصر، ومنذ فجر الضمير لسنا إلا دعاة سلام وسنظل دومًا دعاة سلام قبل أن يعرف العالم بأسره معنى كلمة سلام. بيد أن محبتنا للسلام واحترامنا الشديد لجميع العلاقات الدولية القائمة على الحفاظ على السلام العالمي، لا يجب أن ينسي البعض منا أننا واقعيًا في حالة حرب! ولذلك كان من الضروريّ التَّعامل مع الْاقْتِصَاد ككل كاقْتِصَاد حرب (ونعني باقْتِصَاد الْحرب على وجه الخصوص إعادة تعبئة موارد الدَّوْلة تحت رقابة دقيقة ومُنظمة من قبل المؤسَّسة السياسيَّة، والسيطرة على السلع الضروريَّة والاستراتيجيَّة)

حيث تشهد مصر حربًا ضروسًا فعليًا على أقل تقدير على مستوى حروب الجيل الرَّابع، والحروب بالوكالة؛ فمما لا شك فيه أن الصراع داخل الأراضي الليبيَّة، غرباً، والحروب المشتعلة داخل الأراضي السُّودانيَّة، جنوبًا، والتَّهديد من جهة الشرق، بل ومن جهة الشمال الَّذي يوجب الحفاظ على المصالح الاقْتِصَاديَّة المحتَّمل تهديدها في مياه البحر المتوسط، ناهيك عن تهديد أمن مصر الْمائي من قبل دول المنبع، إنما يجعل كل ذلك من الضروريّ، وفق سياسة اقْتِصَاد الْحرب، العَمل على إعادة التَّنظيم الْحازم للاقتصاد الْقوميّ ابتداءً من حصر الثروة الْعقاريَّة ككل، والاهتمام الشَّامل بالبنية التَّحتيَّة وتطويرها، وترشيد الاستهلاك ومواجهة الهدر الاجْتماعيّ بصوره كافة، ورقمنة الْمُجتمَع بأسره وتحديثه تقنياً، مع شن حرب لا هوادة فيها على مَعاقل الفساد الَّذي ضرب بجذوره في عمق الدَّوْلة، بالإضافة إلى حتمية التوجه نحو التصنيع في محاولة جدية للتحكُّم في مُدخلات الإنتاج دون سيطرة قوى الرَّأسمال الدّوليّ على صنع القرار الاقْتِصَاديّ والسّياسيّ في البلاد.

ان إعادة تعبئة الْاقْتِصَاد ككل كاقْتِصَاد حرب، وهي حرب قائمة بالفعل، إنما يوجب التضحيات الَّتي تتحملها الأجيال الحالية من أجل رفاهية الأجيال الْقادمة، تلك التضحيات لا يمكن أن تتم ولا يمكن أن يتقبلها الشعب، والطَّبقات الفقيرة منه بوجهٍ خاص، عن طيب خاطر إلا إذا استشعر وجود الدَّوْلة إلى جانبه كفاعل مركزيّ في النَّشاط الاقْتِصَاديّ دون تركه فريسة للرَّأسمال الْمحتكر. ولذا؛ يوجب اقْتصَاد الْحرب وجود الدَّوْلة بكل قوة، كفاعل وكمنظِّم وكموجه وكمخطِّط، بل ومؤمم إذا لزم الأمر.

إن السلام الذي تفرضه الدول فرضًا إنما يكون ابتداءً من تنظيمها وقوتها لا تفككها ووهنها، وانطلاقًا من قدرتها على الردع لا الرضوخ والانبطاح أمام عالم صار بلا قلب. عالم لا يعرف سوى بريق الذهب وبكَّات الدم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى