إصدارات وكُتابثقافة وأدب

الفناء المتراكم : نصر الدين عبدالقادر

المقدمة

الفناء المتراكم، أو ربما نستطيع القول: التفاني المتراكم، لأن الفناء يكون مرة واحدة، وإلى الأبد، إلا في حياة أخرى، لا تُشبه سابقتها، والفناء عند المتصوفة هو ذروة التفاني في ذات المحبوب، لكن الفناء عند زينب زيادة، كما جعلت اللفظ عُنوانًا لكتابها (الفناء المتراكم)، إنما هي فناء عن الذات التي حملت حقائبها ورحلت، كما في قولها في النص رقم (79)

“إحساسٌ باليُّتم من نوع آخر/ أن تطوي فضائك/

وتَسلِبَني الجّناح”.

نصوص هذا الكتاب، كلها تعبر عن فكرة العنوان نفسه، لتؤكد أن الفناء يمكن أن يتراكم، وهنا لمحة لإماكنية بعث الروح والقلب من جديد، وهو ما عبرت عنه في قولها: “يقيناً/ أنّ القلبَ سَيَثبت/ بتكرار الانكسار”.

لكننا نجد أن ثبات القلب هنا، ربما لا يعني الصمود، لأنه قد يعني التوقف عن الحياة، وهو المعنى الأقرب إلى الفناء المتراكم، وقد يعني التوقف عن تصدير المشاعر الإنسانية، وساعتئذ سيصير جامدًا متحجرا، وهو الفناء بعينه.

 ثم تقول الكاتبة في النص رقم (83)

“تبدو الأكثرَ حظاً/ هي الرسائلُ العالقةُ/ تَفُوتُها مَواسمُ الخُذلان”.

وهي حالة أقرب إلى الواقع التي تعيشه البلاد، خذلان يكرر نفسه في كل شيء، وحدهم مَن نجت أرواحهم، وسكنت هنالك في الأعالي، هم الذين نجوا من هذا الخذلان، كالرسائل المعلقة تمامًا.

وكأنّ حياة الكاتبة، تمثل نسخة فوتوغرافية في حياة البلاد، حيث التكرار الممل للخيبات والهزائم والموت.. مثل الجدران المطلية بالماء:

لا شيء يُذكر..

نسخةٌ منقّحةٌ للونِ الماء

مطليّاً بها جدار الصّمت

حيث دوائر الفراغ التي صارت تمثل كل شيء، لكن بالنسبة للكاتبة، كلُّ الأشياء مُسوّرة، بالصمت والعدم، حتى الشمس المنتصرة.

هذا الكتاب بما يحمله من نصوص تناهز المئتين، وهي نصوص عبارة عن ومضات دافئة، نثرت الكاتبة جزءا منها على حساباتها بوسائل التواصل الاجتماعي، تعبر عن المعنى الحقيقي لفكرة البحث عن معنى الحياة،، فالأوقات العصيبة هي في العادة ما تجبر المرء أن يبحث عن تلك المعاني، وعن جدواها وعبثيتها.

وقد يجد القارئ روحه مبعثرة بثنايا النصوص التي بين يديه، إلى الحد الذي يجعله مندهشًا.. حيث لن أطيل التقدمة، حتى لا أحول بينه وبين ما ينتظره من جمال.. لكن قبل ذلك لا بد من المباركة للمكتبة السودانية بمولد كتاب جديدة، وكاتبة ظلت على مدى عشرين تزين الصحف والمجلات والمنتديات، والآن لا بد أن تكون أرفف المكتبات حفيةً بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى