من حق اي سوداني خارج السودان يتفاعل مع ما يدور داخل بلاده ويهتف بل بس كما كان الذين خارج السودان يهتفون تسقط بس وكان الكيزان حينها يسمونهم مناضلي الكيبورد ومعارضة الفنادق
فالإنسان لا ينفصل عن وطنه بسبب مغادرته للبحث عن فرصة عمل تستر حاله وتعيل اسرته، او بسبب فرصة للتأهيل الأكاديمي، وكما قال الطيب صالح: “أما السودان، فأنا أحمله بين جوانحي، حيثما ذهبت وحيثما أذهب، هذا هو الوجع الأول البدائي واللانهائي”
والتفاعل مع الاحداث يكون بناء على مبادئ وقيم نابعة من قلب محب للوطن، او بناء على مصلحة شخصية ضيقة من نفس انانية وكل منا يعلم بينه وبين نفسه ماهي دوافعه التي جعلته يتبنى موقفه الداعم للحرب، او الرافض للحرب.
ولكن تأكد ان الدوافع المبنية على المصلحة الشخصية مهما حاولت تدثيرها بموقف وطني سيأتي يوم وينكشف النقاب وحينها سيحتقرك من كانوا يمدحونك بالامس.
على سبيل المثال من حقك وحق الوطن عليك المساهمة بما تستطيع ولكن ليس من الأخلاق وليس من حقك تحديد موعد موكب في السوق العربي ودعوة الناس للخروج فيه وانت في أوروبا.
من حقك تهتف بل بس وجغم بس ولكن ليس من حقك وليس من الاخلاق انت تقول لمن هم تحت النار يجب ان تدفعوا ثمن الحرب مهما كانت التكلفة ونعم لاستمرار الحرب ولا نحتاج لوقف اطلاق نار، أنت لا تحتاج لوقف النيران لانك بعيد من مرماها.
أنت تكتب جغم بس وبل بس مع جغمة قهوة تركية بالتمر، وبل للرز المندي والمظبي بالزبادي والطحينة، ولكن هناك من يكتب فصول الحرب العبثية اللعينة بدماءه وصراخ اطفاله ويعيش الجغم والبل بين الجثث المتحللة والاتصالات المقطوعة وخدمات الكهرباء والمياه والعلاج المعدوم والتعليم المنسي.
لا يحتاج لوقف الحرب من يملك فيلا في تركيا او استثمارات في ماليزيا او وظيفة في الخليج ويذهب الى عمله كل يوم ويستلم راتبه في موعده.
لا يحتاج لوقف الحرب من يذهب اطفاله الى مدارسهم كل صباح ويعودون الى بيتهم مطمئنين.
لا يحتاج لوقف الحرب من لا يعاني والده ولا تتألم والدته من انعدام الدواء
يحتاج وقف الحرب من لديه اسره يعولها ولم يصرف راتب منذ 11 شهر
يحتاج وقف الحرب عامل اليومية والمهن الحرفية الذي لم يذهب الى عمله منذ 330 يوم
يحتاج وقف الحرب من لم يرى اطفاله المدارس وشبابه الجامعات منذ 330 يوم
يحتاج لوقف الحرب من يتألم كبار اسرته بجواره ويعجز عن توفير الدواء لهم
يحتاج لوقف الحرب من يبكي اطفاله من الجوع ويعجز عن توفير الطعام لهم.
ويكاد يكون الفرق الوحيد بين الذي افتى للمخلوع البشير بقتل نصف الشعب من اجل ان يحكم النصف الناجي والناشط والسياسي الذي يدعو الى استمرار الحرب العبثية مهما كانت التكلفة
والتكلفة بالطبع هي دماء الناس ما عدا دماءه واهله في الخارج.
ارواح اطفال الناس ما عدا اطفاله.
ذلة وعذاب وموت كبار السن قهرا ما عدا كباره.
تفكك الاسر بالنزوح واللجوء وانقطاع التواصل بين افرادها ما عدا اسرته.
حرمان الموظفين من عملهم مع ذهابه لعمله كل يوم.
حرمان الطلاب من مدارسهم وجامعاتهم مع ذهابه لدارسته كل يوم.
الفرق بين مفتي القتل وناشط الحرب ان الاول كان يرتدي عباءة الدين ويفتي بقتل الابرياء، والاخير يرتدي قميص الوطنية والحفاظ على مؤسسات الدولة ويسترخص دماء الابرياء والدولة مستمرة في ولادة مليشيات جديدة.
وصلت التشوهات الاخلاقية في بعضهم وعلى رأسهم اسحق احمد فضل الله وعمار السجاد وامثاله الى الدعوة لاستمرار الحرب في شهر رمضان مشبهين حرب السلطة والثروة بغزوة بدر ومن منهم لا يعلم ان البرهان ونائبه وصديق عمره حميدتي كما كان يصفه لم ولن يتحلوا بأخلاق أهل الإسلام ولا مروءة أهل الجاهلية.
ستنتهي الحرب مهما طالت سنواتها ولكن حين تخسر نفسك فأنت تسخرها مرة واحدة والى الابد.
كان الله في عون جميع المكتوين بنيران الحرب ونترحم على كل الذين رحلوا ولم يغيب عن بالي ما حدث لاسرة كابتن فوزي المرضي الذي نزفت زوجته في عدم وجود اسعاف، واخترق الرصاص جسد ابنته الوحيدة وخرجت روحها امام عينيه ولحق بها وهو كظيم.
ومثله الالاف من الاباء والامهات والاخوة والاخوات لهم الرحمة أجمعين.
لعن الله الحرب ومن اشعلها ومن دعمها ويسعى في استمرارها لانه لم يكتوي بنارها.
زر الذهاب إلى الأعلى