Uncategorizedقراءات

سمية أمين: قراءة في كتاب: محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان (2- 5)

سودان ستار

 

المؤلف: دكتور عبد الله الفكي البشير- عدد فصول الكتاب: سبعة فصول- عدد الصفحات: (664)، الناشر ط1: دار باركود للنشر والتوزيع، الخرطوم، 2021، ويجري العمل حالياً لنشر ط2، عن دار الموسوعة الصغيرة للطباعة والنشر والتوزيع، جوبا، 2024


 

المحـــاور

عن مؤلف الكتاب

مدخل

الحوار حول أطروحة المركز والهامش

مفهوم التهميش عند الأستاذ محمود محمد طه

التوجه العربي للسودان وتعميق التهميش وتعزيز الإقصاء

الأمة الأفريقية والدعوة لانسحاب السودان من جامعة الدول العربية

الحزب الجمهوري والعلاقات بين السودان ومصر

جنوب السودان والتاريخ الطويل من التهميش

محمود محمد طه هو السجين الأول والوحيد من أجل جنوب السودان

التنقيب عما بعد التاريخ المعلن: ملاحظات حول كتاب الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان

قضايا التعدد الثقافي ونظام الحكم والمعرفة الاستعمارية واستمرار التهميش

الموقف من مؤتمر البجة/ البجا، أكتوبر 1958

تجليات ضعف الانفتاح على الأرشيف القومي عند المثقفين: الدكتور مجدي الجزولي نموذجاً

الدستور وقضايا التهميش

المرأة أكبر من هُمش في الأرض

 

الفصل الثالث: التوجه العربي للسودان وتعميق التهميش وتعزيز الإقصاء

الأمة الأفريقية والدعوة لانسحاب السودان من جامعة الدول العربية

الحزب الجمهوري: “نحن سودانيون، والتفكير في أننا سودانيون يجب أن يسبق أي شيء آخر “، (1946).

 

في محاولة لفهم الواقع الراهن وتشخيص حالة الفشل المستمرة للدولة السودانية منذ الاستقلال عام 1956، وما خلفته تلك الحالة من أوضاع تهميش وإقصاء وقمع وكبت لبعض الثقافات والجماعات والمجموعات، يرى دكتور عبد الله أنه يتوجب اعتبار مرحلة تأسيس الدولة الوطنية في السودان خلال فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي. فقد شهد عقد الأربعينات قيام الأحزاب السودانية، وبداية إنشاء المستعمر للمؤسسات الدستورية والإدارية، بينما مثَّل عقد الخمسينات بداية انطلاق الدولة الوطنية بعد نيل الاستقلال. ويوضح دكتور عبد الله أنه من بين أهم معطيات تلك المرحلة التأسيسية والتي يجب أن تخضع للدراسة، فكر ورؤية القادة والمثقفين ومواقفهم من هويّة السودان. فقد تحمس معظم القادة لعروبة السودان، وظلوا ينشطون داخلياً وخارجياً من أجل التأكيد والتسويق لعروبته، دون اعتبار للمكونات غير العربية. ويُرِجع دكتور عبد الله أنه ونتيجة لهذا النشاط، بالإضافة لعوامل أخرى، تم الانحياز للمكون العروبي بصورة ظهرت بوضوح في رسم السياسات وفي وضع التشريعات ومن ثم في تكييف الرأي العام والمسار السياسي للسودان في الوجهة العروبية، الأمر الذي أدّي لتهميش الشعوب والثقافات الأصيلة في السودان. ويبين دكتور عبد الله بعض الآثار السلبية لهذا التوجه، قائلاً: “تبع ذلك أن ظل السودان يسير في وجهة تناقض إرثه الحضاري، وتصادم آركيوليوجيته التاريخية، وتناطح تركيبة شعوبه الثقافية. فأفضى ذلك المسار، إلى جانب عوامل أخري بالطبع، إلى انفصال جنوب السودان عام 2011، وتفجير الانتماءات الإثنية والجهوية، واشتعال الحروب، وتفشي مناخ التشظي في سمائه”.

سلط دكتور عبد الله الضوء على الحراك السياسي في عقود الأربعينيات والخمسينات والستينات من القرن الماضي ومواقف القادة والساسة من عروبة السودان، والواقع الذي خلفه التوجه نحو العروبة من تهميش للشعوب والثقافات الأصيلة في السودان. كما وضح موقف الأستاذ محمود محمد طه من التسويق لعروبة السودان، وموقفه من الهُويّة العربية للسودان، وموقفه من أفريقية السودان، ورؤيته لمرتكز السودان الحضاري. ووقف دكتور عبدالله عند كيف عبّر الأستاذ محمود محمد طه عن رؤيته ومواقفه من حراك الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي. ثم يأخذنا عبد الله إلى الحقبة التي شهد فيها السودان النشاط الواسع والحركة الدؤوبة في عقدي الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي والتي نشط فيها الكثير من المثقفين والقادة السياسيين وارثي حكم المستعمر، في سبيل التسويق لعروبة السودان، وفي اتجاه تمكين الثقافة العربية، وتعزيز القومية العربية في السودان، دون اعتبار لتنوعه ومكوناته الأخرى. وقد قاموا بذلك بحماسة واندفاع في تعميم عروبة السودان، ويُرِجع بعض الباحثين كما يرى المؤلف أن اندفاع بعض المثقفين والقادة السياسيين في تعميم عروبة السودان، دون تمييز لتنوع الثقافات والمكانة التي تحتلها الثقافات الأفريقية في بعض أنحاء السودان، قد ظل جزءاً من الأسباب التي قادت وتقود لبعض مشاكل السودان الحالية، كما أن ذلك الاندفاع لتعميم عروبة السودان، والسعي لحسم هويته باعتبارها هُويَّة عربية إسلامية، لم يكن قاصراً على طلائع المتعلمين وأشواقهم العروبية، وإنما كانت أيضاً هي أشواق القادة الذين برزوا بعد ثورة أكتوبر 1964. وتناول دكتور عبد الله بعض الأمثلة للأدوار التي لعبها بعض هؤلاء القادة، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، كان الصادق المهدي ( 1939-2020) رئيس حزب الأمة قد ألقي خطاباً أمام الجمعية التأسيسية في أكتوبر 1966، وهو رئيس للوزراء، أكد فيه أن هَويَّة السودان هي هُويَّة عربية إسلامية، وأن الأمة السودانية لن تستطيع تعريف هويتها، وتحتفظ بهيبتها وعزها، بغير إحياء الإسلام. كما ذهب الدكتور حسن الترابي (2016-1932)، الذي أصبح الأمين العام لجبهة الميثاق الإسلامية، إلى القول بأن جنوب السودان يعيش حالة فراغ ثقافية لابد من ملئها بالإسلام والعروبة. أما القادة من طلائع المتعلمين فقد ظلوا يعملون داخل وخارج السودان من أجل التسويق لعروبة السودان. وقد سجل هؤلاء القادة محاولاتهم ونشاطاتهم المستمرة والمتعددة في كتاباتهم ومذكراتهم ومواقفهم الموثقة ، وقد استعرض المؤلف، على سبيل المثال لا الحصر، لهؤلاء القادة، على كثرتهم ، دور ثلاثة نماذج وهم : الشيخ على عبد الرحمن الأمين (1906-1981)، والسيد خضر حمد (1910-1970)، والأستاذ بابكر كرار (1930-1981.

 

عقد الخمسينات وحراك مستقبل الثقافة العربية في السودان

 

شهد الخمسينات من القرن الماضي، كما فصَّل الدكتور عبدالله، حراكاً واسعاً من قبل المثقفين السودانيين والمصريين على حد سواء، عن مستقبل الثقافة العربية في السودانية. وزاد ذلك الحراك توسعاً بعدما تبني الرئيس المصري جمال عبد الناصر (1918-1970)، خط القومية العربية. “فقد أشعل عبد الناصر فتيل القومية العربية، فبلغت في عصره أقصي حالات عنفوانها، فأصبح صاحب صيت قوي وتأثير كبير في الانفعال بالقومية العربية، ولم تكن الخرطوم بعيدة عن ذلك التأثير بل كانت حاضرة بقوة، كما مثلت إحدى سوح المد القومي العروبي”. وقد واجه الأستاذ محمود محمد طه الرئيس جمال عبدالناصر، رافضاً توجهاته وسياساته ورؤيته، مواجهة نادرة المثيل. واستمراراً في المواجهة بعث الأستاذ محمود إلى جمال عبد الناصر رسائل بالبريد، كما أن الرسائل نُشرت في الصحف المحلية. وظلت موجهة الأستاذ محمود مستمرة لعبدالناصر، كتب دكتور عبد الله، قائلاً: “ظل محمود محمد طه يقدم النقد الدائم والقوي لزعامة الرئيس عبد الناصر للعرب ودعوته للقومية العربية، بل أنه رأي أن خطاب عبد الناصر القومي وأن خطبه كانت هي أسباب هزيمة العرب، وهي العار الذي لحق العرب. عبر محمود محمد طه عن نقده ومعارضته بالبيانات والخطابات والمقالات وفي المحاضرات العامة. ففي يوم 5 سبتمبر 1967 نشر كتاباً بعنوان: التحدي الذي يواجه العرب. وفي أكتوبر من نفس العام نشر كتاباً آخر بعنوان: مشكلة الشَّرق الأوسط: تحليل سياسي، استقراء تاريخي، حل علمي.

نتج، كما يرى الدكتور عبدالله، عن الحراك الذي تبناه قطاع كبير من الساسة والمثقفين السودانيين من أجل قضية القومية العربية وإصرارهم وعملهم النشط في إلحاق السودان بركب العروبة والقومية العربية دون مراعاة لتاريخ وواقع تركيبة السودان الثقافية والاجتماعية وتنوع شعوبها، نتج عن كل ذلك، أن طال التهميش شعوب أصيلة، وثقافات سودانية ذات حضارة عميقة الجذور في تاريخ السودان، ولا تزال شعوب السودان تدفع ثمن الهرولة نحو القومية العربية، وتدفع ثمن تخبط القادة وطلائع المثقفين.

 

الحزب الجمهوري والعلاقات بين السودان ومصر

 

عن علاقة الحزب الجمهوري بمصر يقول دكتور عبد الله: “نظر الحزب الجمهوري لمصر في علاقتها مع السودان، منذ عام 1945، بأنها دولة مستعمرة وطامعة. وظل رافضاً لدعوات الاندماج والاتحاد مع مصر، التي كانت تنادي بها بعض الأحزاب، حتى لو كان الاتحاد في التاج كرمز فقط. فالوضع الطبيعي، كما يقول محمود محمد طه، رئيس الحزب الجمهوري: نحن والمصريون طلاب حرية، وزملاء جهاد، وعدُّونا واحد، هو الاستعمار البريطاني، فينبغي أن نتفق على جهاده، وإجلائه، لنكون نحن أحراراً في بلادنا، وليكونوا هم أحرار في بلادهم.. ويجب ألا ينسينا اجترار العواطف أن للمصريين مطمعاً في بلادنا”.

ظل الأستاذ محمود محمد طه يطالب على الدوام بضرورة خروج مصر من السودان كقوة مستعمرة، ومن ثم إقامة علاقات ثنائية بين البلدين تقوم على الندية. هذا الموقف ظل موقفاً مبدئياً وثابتاً ولم يتغير. وكان الأستاذ محمود محمد طه يري، كما يقول عبدالله، إن وجود مصر كدولة مستعمرة للسودان أوجد حالة من العداء بين مصر والسودان، وأن هذا العداء كما يراه الأستاذ محمود محمد طه أمر غير طبيعي ولا مستساغ ويكاد يكون غير ممكن، ولأن يكون كل من منهما مستقلاً حراً قوياً أجدي على علاقتهما في المضمار العالمي من “أن يتحدا اتحاد الضعاف، فان اتحاد الضعاف ضعف على ضعف”. كذلك كان الأستاذ محمود محمد طه يرى بأنه، إلى جانب خروج مصر من السودان كدولة مستعمرة، يجب تصفية المسائل العالقة بين السودان ومصر. هذه المسائل العالقة بين مصر والسودان، عنده، لا تعتمد على المسائل الحدودية فقط، بل تتعداها إلى ما هو أهم منها، مثل مشكلة مياه النيل، التي لا بد من حلها حلاً نهائياً حتى يستطيع السودان أن يمعن في استغلال حصته من المياه، ومشكلة المستعمرات المصرية داخل السودان مثل ملكال وجبل أولياء وشجرة غردون (إشارة إلى مباني الري المصري ونقاط ومحطات المياه المصرية في السودان). ودعا الأستاذ محمود محمد طه في سبيل حل المسائل العالقة مع مصر، إلى الذهاب للتحكيم الدولي. وعن فكرة التحكيم الدولي يحدثنا دكتور عبد الله، قائلاً: “إن فكرة التحكيم الدولي ظلت مطروحة باستمرار عند الأستاذ محمود محمد طه، ففي مساء 22 فبراير 1958 قدم محمود محمد طه محاضرة عن “الموقف السياسي الحاضر” بدار الحزب الجمهوري بمدينة مدني وتحدث فيها بتوسع عن الحدود مع مصر، ودعا لحسم مسألة الحدود بالذهاب للتحكيم الدولي”. وجدير بالذكر، كما بيَّن الدكتور عبدالله، إن الأستاذ محمود محمد طه، كان أول من دعا للتحكيم الدولي لحسم مسألة الحدود مع مصر وكذلك حسم المسائل العالقة.

 

الفصل الرابع: جنوب السودان والتاريخ الطويل من التهميش

محمود محمد طه هو السجين الأول والوحيد من أجل جنوب السودان

 

تناول هذا الفصل قضية جنوب السودان والتي يسلط المؤلف الضوء فيه على التشخيص والحلول لمشكلة الجنوب ومواقف الأستاذ محمود محمد طه من مسألة جنوب السودان منذ العام 1945. وصف دكتور عبد الله جنوب السودان بأنه ولأسباب عديدة ومتداخلة عانى من التهميش في أقصى حالاته وبأقصى مستوياته وأشكاله. وفصَّل عبدالله في تشخيص الأستاذ محمود محمد طه لمسألة جنوب السودان، وذلك منذ أربعينات وخمسينات القرن الماضي، تشخيصاً عابراً للزمان، وقدم في سبيلها تضحية كبيرة، وكانت له مواقف قوية تبني فيها المواجهة للاستعمار والمقاومة لسياساته تجاه جنوب السودان. لقد عارض الأستاذ محمود محمد طه المجلس الاستشاري لشمال السودان، الذي أنشأه المستعمر في منتصف الأربعينات من القرن الماضي. كتب عبدالله، قائلاً: “اعتبر الأستاذ محمود محمد طه قيام المجلس بمثابة الفصل المبكر لجنوب السودان، فأعلن مناهضة المجلس ومقاومته لأي سياسة استعمارية تسعى لفصل الجنوب عن شماله. وظل يناهض المجلس ويقاومه حتى سجنه في يونيو 1946. وبذلك كان هو السجين الأول والوحيد من أجل مسألة جنوب السودان”.

 

محمود محمد طه ومسألة جنوب السودان

أضواء على المواجهة المستمرة والتشخيص الناجع والحل العابر للزمان

 

يقول دكتور عبدالله: “كانت مسألة جنوب السودان، عند محمود محمد طه، مسألة مركزية، منذ أربعينات القرن الماضي، وحتى يوم تجسيده لمعارفه في صبيحة يوم الجمعة 18 يناير 1985. فهو يقول :”الحقيقة نشأة الحزب الجمهوري يمكن أن يكون كله منصب على مسألة الخفاض الفرعوني والجنوب ..على اعتبار ان هاتين النقطتين الحساستين اللتين يمكن تحرك بهما الناس”. كما بيَّن عبد الله بأن الأستاذ محمود محمد طه ظل مواجهاً للاستعمار والأحزاب السودانية معاً في سبيل مناصرة قضية جنوب السودان، وقدم التشخيص الصحيح لها واقترح حلاً ناجعاً لها منذ العام 1955 فكان حلاً عابراً للزمان، حيث بُعث هذا الحل في العام 2005 أثناء مداولات اتفاقية السلام الشامل عام 2005، فظهر في نصوصها. كما رصد دكتور عبد الله من خلال بحثه أن الأستاذ محمود محمد طه قد كتب عن مسألة جنوب السودان ووحدة السودان، كما لم يكتب أحد مثله. وعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت وحدة السودان ومسألة جنوب السودان حاضرة في كل الدساتير التي أصدرها الحزب الجمهوري (فقد أصدر الحزب الجمهوري منذ تأسيسه عام 1945 برئاسة محمود محمد طه، ثلاثة دساتير. جاء الدستور الأول عند قيام الحزب في 26 أكتوبر 1945، وأُعلن الثاني في نوفمبر 1951، وكان الثالث في نوفمبر 1968. كما أصدر الأستاذ محمود محمد طه في سبيل مسألة جنوب السودان، العديد من الكتب، وتعرَّض لها في الكثير من مقالاته، وفي بعض كتبه، إلى جانب تناولها في العشرات من كتب تلاميذه الإخوان الجمهوريين. ومن بين كتبه التي تعرَّض فيها لمسألة جنوب السودان، أو خاطبت جذور المشكلة وحلولها، كتاب: السفر الأول، (1945)، وكتاب: قل هذه سبيلي (1952)، وكتاب: أسس دستور السودان لقيام حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية اشتراكية، (1955)، وكتاب: الدين والتنمية الاجتماعية، (1974)، وغيرها.

ويضيف دكتور عبد الله إلى أنه وبجانب الكتب هذه فقد أجاب الأستاذ محمود محمد طه على الكثير من الأسئلة بشأن مسألة الجنوب في العديد من اللقاءات الإعلامية. كما تناولها في مساجلاته، وأشار إليها في رسائله للمثقفين ولبناته وأبنائه الجمهوريين. ظل مطلب إقامة النظام الفيدرإلى ( فيدرشن Federation ) بين الشمال والجنوب، هو مطلب الجنوبيين منذ الأربعينات عند قيام الجمعية التشريعية عام 1948، وظلّ الجنوبيون يجددونه باستمرار. ولم يجد هذا المطلب عند جلّ الساسة الشماليين سوي التجاهل في كل المراحل، أو النكوص عن الوعد. بينما ظل موقف الأستاذ محمود محمد طه، رئيس الحزب الجمهوري، من مطالب الجنوبيين، لاسيما مطلب الفدريشن، هو التأييد الثابت والمستمر، بل كان من أوائل الذين اقترحوا إقامة النظام الفدرالي (الحكم اللا مركزي) ليس للجنوب، فحسب، وإنما لكل أقاليم السودان، وقد فصل ذلك في كتابه: أسس دستور السودان لقيام حكومة جمهورية فيدرالية ديمقراطية اشتراكية، الذي أخرجه في يوم 29 ديسمبر 1955. وعندما أعلن ذلك الاقتراح مفصلاً، قابله الناس، أوانئذ، بالاستغراب، وعدّوا الاقتراح تفتيتاً للقطر وفصلاً للجنوب. أتبع الأستاذ محمود ذلك الكتاب بنشر المقالات وإصدار البيانات التي تؤيد مطالب الجنوبيين، بإقامة النظام الفيدرالي، وتدعو الساسة الشماليين للوفاء بتلك المطالب، فهي في تقديره مطالب لا تستحق الاعتراض عليها، وإنما يجب أن تكون لكل أقاليم السودان. (وقد فصَّل الدكتور عبدالله في مواقف الأستاذ محمود محمد طه من إقامة النظام الفيدرالي ومطالب الجنوبيين وحقوق أهل أقاليم السودان، في الفصلين الخامس والسادس من كتابه).

تناول عبدالله مواقف الأستاذ محمود محمد طه وتشخيصه لمسألة جنوب السودان، والذي بدأ منذ قيام الحزب الجمهوري في أربعينات القرن الماضي واستمر إلى صبيحة يوم 18 يناير 1985 يوم تجسيده لمعارفه. وعن مسألة الجنوب والتي وجدت عناية خاصة من الأستاذ محمود، كما يقول دكتور عبد الله، من حيث التشخيص والدراسة بصورة مستمرة. وقدم دكتور عبّد الله في هذا الفصل “الفصل الرابع” عرضاً لتشخيص الأستاذ محمود محمد طه، وبعض النماذج لما كتبه الأستاذ محمود مع التركيز على سنوات 1955 (حوادث الجنوب وبداية الحرب)، ثم تشخيص عام 1958، وكذلك عن التشخيص الذي نشر في 28 نوفمبر 1964 بعد اندلاع ثورة أكتوبر، ثم تشخيص عام 1982.

يقول دكتور عبد الله: “جاء التشخيص لقضية جنوب السودان في العام 1982، من خلال كتاب نشره الإخوان الجمهوريون بعنوان: جنوب السودان: المشكل والحل. استعرض المؤلف محاور الكتاب، ثم تعرض المؤلف لموقف الأستاذ محمود محمد طه، ورؤيته للكيفية التي يجب أن تبني بها العلاقة بين الشمال والجنوب، مستعرضاً بعض الجوانب المهمة والحيوية التي تنظم العلاقات في بلد تتعدد فيه الديانات! وتناول الكتاب قوانين سبتمبر 1983 وموقف الأستاذ محمود محمد طه منها! كما بين أدوات المواجهة التي التزمها الأستاذ محمود محمد طه والإخوان والأخوات الجمهوريات.

نلتقي في الحلقة القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى