(عندما تصور الحكاية وجهة نظر الجميع)
بمقاييس الأجناس الأدبية تصنف حكاية الطيب صالح التي تناولت أسطورة دومة ود حامد بأنها قصة قصيرة.. ولكن إذا تأملنا فإننا نجد فيها البعد الزمني الممتد بين الماضي والحاضر والمستقبل كخط منحني يبدأ من أعلى وأبعد نقطة عن اللحظة الراهنة مرورا بها في حالة حياد وتعادل واتزان وتسامح وانطلاقا إلى ما لا نهاية الأمل في فضاء احتمالي مفتوح.
القصة تعتمد على حوار شخصين فقط ولكنها تثور وتضطرب وتتجاسر إلى حشود وقضايا وطنية وتاريخية وعقدية واجتماعية ونفسية.
تعتمد على الواقع ولكنها تسرقك إلى خيالات واسعة ترهق مسيرك في رحلة طويلة ومضنية.
الفكرة هي “شجرة تحدد مصائر الناس”… وبذلك يمكن أن يبني أي كاتب سيناريو عادي عمله على خطوط رئيسية وأخرى ثانوية (كما يقال)… إلا أننا سنقف قليلا عند “مصائر الناس”… إنها عالقة من فوق سعفات وتتدلى على جذع مغروس في تلة صخرية قرب النهر. الارتباط بالشجرة تحول من كرامة لأحد الصالحين إلى إرث وإيمان يسيطر على الجميع أجيالا بعد أجيال لتمنع التطور والتنمية في جانبها المادي وتكرس الصوت القوي والقدرة على الاتحاد ومواجهة كل السلطات العسكرية والمدنية. إنها معادلة غريبة. الثورة في ظل المقدسات.
علينا خوض تجربة السيناريو من عدة زوايا… هل هناك بطل؟ هل هناك شخصيات رئيسية؟ يصعب تحديد ذلك ببساطة. سيناريو يحمل خصائص الحياد بصرامة. لماذا؟ لأننا سنعبر عن الطبيعة والظروف المناخية القاسية بدون تعاطف… تلك بيئة كاملة تحتاج إلى دراسات وبحوث دقيقة. ثم سنتعامل مع المعتقدات بدون تهويل ولا تبجيل ولا تقصير… تلك أمور غيبية تحتمل الممكن واللا ممكن. أما الخير والشر فهما قيمتان يراهما الناس من الخارج ويندر أن عرفهما صاحبهما في داخله وحكم بإحداهما على نفسه. فلنعطي كل شخصية حرية أن تكون مشوشة أو واضحة. الحوار في القصة شحيح جدا مقارنة بحجم المحتوى الفلسفي والنفسي… لذلك علينا أن نتقن استنطاق الشخصيات بما يليق بعمقها أو سطحيتها أو عظمتها أو ضآلتها.
دومة ود حامد قصة قصيرة في سطورها طويلة جدا في تتبع أصلها ونهاياتها. طويلة حد المجهول.