ثقافة وأدب

أحمد عيسى – عروس من (دار الرِيح)

قصة قصيرة

 

كانت صغيرة…رقيقة …ويتيمة أيضاً، حينما تزوجت فرحوا من أجلها، الجميع غنوا لأجلها، محاولين تعويضها فقد أمها لو استطاعوا ذلك، ولكن بأي شيء يمكن تعويض الأم؟

قبل سنوات وعندما وصل ركب أمها، هرعت النساء جميعاً إليها هامسات: لقد حضرت عروسة من (دار الريح)

يومها زاروها وباركوا لها العرس، متمنين لها حياة زوجية سعيدة، عاشت بين أهالي القرية إمرأة هادئة صبورة ومقدامة، أنجبت أربعة وفي يومٍ ما رحلت بهدوء مثل نسمة..

اليوم وبعد سنوات هاهي إبنتها تكبر هي الأخرى وتتزوج…

قال لهم الطبيب عندما يحين موعد الولادة يجب أن تأخذوها إلى طبيب لديها توأم وهي ضعيفة لا تتحمل، لكنهم لم يكترثوا لما قاله المطبب، فقد أحضروا لها (قابلة) من القرية..

فيما بعد قالت نسوة من القرية أنها بركت على الصغيرة بركبتيها الإثنتين لتنتشل التوام، وفي اليوم الأول خرجت البنت البكر وبعدها بساعات خرجت الأخرى لكنها ميتة

 

“لقد تغير لونها إلى الأخضر ماتت قبل مدة وأخشى أن تتأثر الأم”

 

– قالت القابلة–

 

“لقد تعفنت في البطن”..

أما الأم فلم تكن بخير أبداً، شحب لونها..

وتغيرت ملامح وجهها، فقدت إبتسامتها الناصعة، حتى أن النساء أصابهن الخوف مما بدا على الصغيرة من تغيرات، جاء أبوها في اليوم السابع من معاناتها، أمسكت بيده وأنبته كثيراً على تركها وحيدة، وفي اليوم الثامن بعد صلاة العشاء، سمعت صراخ في منزل جيراننا أعقبه صوت آخر، ثم انبعث صوت من منزلنا بصراخ عال…

وحينما سألت عن السبب قالت أمي: أن الصغيرة قد توفيت، كلنا هرعنا إلى قريتهم وطوال الطريق كانت تتأرجح أنوار المصابيح، ويسمع نحيب النساء وهمهمة الرجال.

دفناها ذلك اليوم، كنا صامتين جميعاً وجلين كلنا، وكأن كل منا دفن قطعة منه..

في الغد ومنذ الصباح، اكتظت القرية بالناس بشراً لم تشهد لهم تلك القرى تجمعا مماثلا منذ سنوات،

جميعهم بدا عليهم الضياع والحزن الشديد، لأن الفتاة الهادئة الرقيقة…

قد رحلت بكل هدوء، وأثارت في نفوسهم ذكرى أمها

الطيبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى