مقالات الرأي

منعم سليمان: حرب الإسلاميين في السودان (1-2)

“الأيام أفضل جهاز لكشف الكذب”.

جورج برنارد شو.

بعد مرور عام على بدء الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، انزوي لحد كبير سؤال من أطلق الرصاصة الأولى في 15 ابريل 2023؟، إذ تراكمت الأدلة والمؤشرات والأحداث التي تؤكد ان هذه حرب الحركة الاسلامية بامتياز.

فقد اعترفت سناء حمد القيادية بالمؤتمر الوطني انها حققت مع كبار قيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية رغم انها بلا أي صفة رسمية تؤهلها لكن ذلك جري بحكم منصبها التنظيمي في الحركة الاسلامية. الامر الذي أكد بصورة لا تقبل الشك سيطرة التنظيم الاسلامي علي مفاصل الأجهزة العسكرية. كما تجمعت ونشرت وتوثقت تصريحات قيادات الموتمر الوطني / الحركة الاسلامية التي سبقت اندلاع الحرب في ١٥ أبريل. بدءا من تصريحات أنس عمر ومحمد علي الجزولي وعمار السجاد وابراهيم محمود وابراهيم غندور وأحمد هارون ، ومروراً بتغريدات أعضاء كتيبة البراء الجهادية وانتهاءاً بإعلان علي كرتي قائد الحركة الإسلامية للجهاد بالحزيرة ، وكلها تصريحات لا يمكن إنكارها وتدعو صراحة لشن الحرب والاستيلاء على السلطة بالعنف.

كما التحق موسي هلال مؤسس وقائد مليشيا الجنجويد بصفوف الجيش/ الإسلاميين مقاتلاً مما أكد بان هدف الحرب لم يكن موقفاً ضد (المليشيات) في حد ذاتها ولا ضد الإنتهاكات، وإنما بسبب خروج قوات الدعم السريع من سيطرة الإسلاميين لأسباب متعددة ليس هنا مجال تفصيلها.

وكذلك انزوي سؤال بدء الحرب مع تعاظم ماسيها وفظاعاتها على الشعب السوداني فتحول السؤال إلى الأكثر الحاحاً: من الذي سيوقف الحرب؟ وهو سؤال تقود إجابته إلى السؤال الأول مرة أخرى، فالإسلامويون الذين أشعلوا هذه الحرب لم يفعلوا ذلك عبثاً، بل لأنهم يريدون العودة مُجدداً إلى الحكم عبر فوهة البندقية، كما حكموا بها من قبل (يونيو 1989 حتى ابريل 2019)، ولذلك أشعلوا حرب 15 ابريل 2023 لقطع الطريق أمام (الاتفاق الإطاري) بين المدنيين (قوى الحرية والتغيير) من جهة، والجنرالين (البرهان – حميدتي) من الجهة الأخرى، وهو اتفاقٌ كان سيعيد البلاد إلى مسار الانتقال الديمقراطي، الذي قطعه انقلابهما في 25 اكتوبر 2021، ولكن وكما قطع الإسلامويون طريق الانتقال بالحرب فإنهم يستميتون الآن في قطع الطريق أمام أي مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى اتفاق يوقف الحرب، وبالتالي يعود بالبلاد إلى طريق الانتقال الديمقراطي، وهو هدف عملوا طويلا وكثيراً من أجل أن لا يتحقق. ونفس هذه الجهة هي التي تعرقل الإغاثات الانسانية وتمنع منح التأشيرات للعاملين الإنسانيين رغم الأوضاع الإنسانية الكارثية التي تمر بها البلاد، وخصوصاً في دارفور.

وقد اعترف لي دبلوماسي سوداني يعمل الآن بإحدى سفاراتنا في دولة أوروبية كُبرى – اتحفظ عن ذكر اسمه لأسبابٍ تتعلق بوضعه الوظيفي وسلامته الشخصية، ” إنّ وزارة الخارجية السودانية بعد انقلاب 25 اكتوبر 2021 ؛ عادت كما كانت قبل الثورة الشعبية، حيث تم إعادة جميع الكوادر الإسلامية إلى وظائفهم ومناصبهم، بل تمت ترقية كثيرين منهم، وتعويضهم مادياً عن الفترة التي تم فصلهم فيها بواسطة لجنة إزالة التمكين إبان حكومة الفترة الانتقالية المدنية، التي كان يترأسها “عبد الله حمدوك” ( أغسطس 2019- أكتوبر 2021). وأضاف الدبلوماسي أن وزارة الخارجية منذ اليوم الأول للانقلاب لم تكن تدار بواسطة “علي الصادق” الذي كلفه البرهان بادارتها، ولا تدار الآن أيضاً بواسطة “حسين عوض” المكلف حديثاً، بل ظلت تُدار بواسطة الكوادر الإسلامية وبإشرافٍ مباشر من “علي كرتي” الأمين العام للحركة الإسلامية.

لم يعد سِراً أنّ الحركة الإسلامية السودانية بكل مستوياتها ومُسمياتها المعلومة والمخفيِّة، وبكل مليشياتها وكتائبها العسكريّة الظلِّية والتي تُشارك بشكلٍ مباشرة في الحرب الراهنة، مثل: ( كتيبة البراء ، الكتيبة الإستراتيجية، هيئة العمليات)، إضافة إلى (المجاهدين) الذين نظموا أنفسهم تحت ستار (المقاومة الشعبية)، فضلاً عن الحركات السلفية الجهادية، مثل: (جمعية الإعتصام بالكتاب والسنة) و(حزب التحرير) الإسلامي، وجماعات سلفية جهادية مسلحة تتحالف مع تنظيمي (القاعدة) و (داعش) الإرهابيين، والتي اتحدت الآن تحت راية (الاتحاد السوداني للعلماء والدعاة)، وهو اتحاد سلفي جهادي تحالف مع الحركة الإسلامية عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021، ويقوم تحالفهما على أمرين، هما: العداء للديمقراطية والغرب، وضرورة الحكم الإسلامي (الشريعة).

وتتحالف الحركة الإسلامية (الإخوان) مع هذه الحركات الجهادية المتحدة؛ كضرورة قصوى في ما يعتبرونها حرباً وجودية، إذ إنّه إضافة للمُشتركات التي بينهما، فإنّ هذه الحركات الجهادية تتولى القيام بما تتحرّج الحركة الإسلامية من فعله أو التصريح به علانية، ومنها الخطاب العدائي تجاه أمريكا والغرب عموماً، وتهديد السفارات والمصالح الغربية، وقد فعلوا ذلك في السابق بتهديداتهم للسفير الأمريكي السابق (جون غودفري)، وأيضاً للسيد “فولكر بيرتس” الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة في السودان (يونتامس)، إبان فترة مناقشة الاتفاق الإطاري.

والعامل المُشترك الأكبر بين كل جماعات الإسلام السياسي في السودان بجميع طوائفهم ومسمياتهم، هو العداء للحكم الديمقراطي، وتواطئهم على عرقلة الوصول لأي اتفاق من شأنه أن يفضي إلى وقف الحرب وتأسيس طريق جديد ينقل السودان إلى التحول الديمقراطي، وهو ما عبّر عنه بوضوح أكثر الفريق معاش فتح الرحمن محي الدين، وهو عسكري إسلامي كان قائداً لسلاح البحرية السودانية في عهد الرئيس السابق عمر البشير، عندما قال لقناة (الجزيرة) في 16 يونيو 2023: “لن يكون هناك تفاوضاً يأتي بهؤلاء حتى لو احترق السودان كله”، ويعني بهؤلاء؛ دعاة ومناصري التحول الديمقراطي، هكذا يقوّل الاسلامويون: إما نحكمكم أو نقتلكم وندمر بلادكم.

نواصل غداً ،،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى