جَدي رجل عجوز طاعن في السن، وزد على ذلك كاهن ومشعوذ متمرس لا يشق له غبار، يكتب جَدي طلاسم غريبة ويبيعها لزبائن أغرب ينتمون الى قبيلة عدوانية ومعقدة الطباع تسمى: النساء.
النساء يطلقن على طلاسم جَدي اسم (عمل) أي ما يعمل على تغيير حبكة القدر بحسب ما يرغب الزبون ويهوى.
شاءت الأقدار أن يكتب جَدي مرةً رواية في الحلم بدلاً من تلك الخرافات التي أكل عليها الدهر وشرب، كتب جَدي رواية معالي الوزير، الرواية المعروفة للجميع بسبب شهرتها وشهرة كاتبها.
قرأت الرواية مباشرة من لسان جَدي، كانت رواية جميلة وأعجبتني بحق وقد توقعت لها نجاحاً باهراً في سماء الأدب السياسي والنضالي، بل تكهنتُ بفوزها بجائزة زُمار الأدب بعدما ساعدت جَدي في خطَّها لاحقاً على الورق ونشرتها دار نشر وليدة، روى جَدي الرواية شفاهةً وأنا كتبتها باِستخدام أحد برامج الحاسوب وسَددتُ بعض ثغراتها السردية بالذكاء الاصطناعي. والزُمار هي جائزة وطنية في الأدب، تمنحها وزارة الإعلام والثقافة للكُتَّاب المتميزين كل عشرة أعوام.
مرَّت السنوات ومرّ معها توقعي وتكهني من باب الصِدق والثُبوت مرور الكرام. لم تفز رواية معالي الوزير بأي جائزة ولم تلقَ أي اهتمام يُذكر بخلاف مقالٍ وحيد نُشر في جريدة ثقافية حائطية كتبه احد طلاب كلية الإعلام بأحد الجامعات الحكومية.
***
ذات ليلة من ليالي صيف سنة ألف وكمكائة وكم وكمين، ذكر الكاتب الشهير الزُول الفُلاني خلال استضافة تلفزيونية بأنه حلم ذات مرة بهجرانه للأدب وامتهانه الشعوذة وبيع الوهم لزبائنَ من كيانات خرافية تسمى حوريات البحر.
الزُول الفُلاني لمن لا يعرفه هو مؤلف رواية معالي الوزير، الرواية الفائزة بآخر نسخة من جائزة زُمار الأدب.
كتب الزُول في الحلم الكثير من الطلاسم والرموز السحرية في دفاتر كان يستخدمها فيما مضى لكتابة مسوداته الروائية الأولى.
عندما تناهت قصة حلم الزُول لمسامع الوسط الثقافي احتفى به أيما احتفاء تماماً كما كان يفعل في المرات السابقة حين يكح أو يعطس بأدب جم في مجلسٍ أصدقاءه الروائيين والنُقاد والصحفيين، أو ما يصطلح عليه في الوسط الثقافي، عطسة أدبية.
بسبب شُهرة الزُول الطاغية تسابقت وكالات الإعلام أيضاً لاستضافته على منصاتها المختلفة، وتبارى المثقفين والنقاد كذلك؛ في اِبتداع مصطلحات نقدية لائقة بنُبل معالي الوزير وسيمائية كرمه الفيَّاض، بعض النقاد من متبني نظرية موت المؤلف كفروا بها كفراً صريحا لبعض قصور في النظرية أوجزوه في أنَّ “أي مؤلف هالك إلَّا الزُول الفُلاني، فهو خالد.”
أما أنا فلا أستبعد من هؤلاء الحمقى منح الزُول جائزة الطبلة الذهبية في وقت لاحق، وهي جائزة أدبية وطنية تُمنح للأُدباء الأكثر تميُّزاً على مر كل العصور بالدولة. الطبلة جائزة غير موجودة بالفعل لكن أنا متأكد تمام التأكُد بأن معالي الوزير لا محالة سيخترعها احتفاءاً بهذه الظاهرة الثقافية الوطنية التي برزت مؤخراً، ظاهرة الزُول الفُلاني.