
مقدمة
رغم التشابه الظاهري في الاسم بين روايتي “بقايا القهوة” للروائي الاسباني ماريو بينيديتي و”بقايا قهوة” التي دشنتها دار نرتقي للنشر مؤخرًا بمدينة ودمدني، للروائية السودانية الشابة آلاء السر سعد، إلا أن الأجواء السردية في كل منهما تختلف كثيرا عن الأخرى. كما أن كلًا من الروائي والروائية استخدما تقنيات وأساليب وحيل سردية تختلف في كلٍ عن الأخرى. غير أن ذلك لا يمنع احتمال وجود نسبة معينة من “التماهي” بين هذا الملمح أو ذاك.
وتبقى مشكلة تناص الأسماء ظاهرة متفشية في عناوين الروايات والدواوين والمجموعات القصصية التي تنشر في السودان. ورغم أن تشابه أو تقارب الأسماء ليست “منقصة” للعمل الإبداعي إلا أن العديد من الكتاب يبذلون جهدًا كبيرًا في البحث عن العنوان “المتفرد” لرواياتهم ومجموعاتهم القصصية ودواوينهم.
ولعل أشد الروائيين حرصًا على ذلك الروائي عثمان شنقر الذي سهر ليالٍ طوال في البحث والتنقيب من أجل الوصول لعنوان “متفرد” لسرديته الأولى “ذكرى حروب قادمة”. ثم تنقل بين عدة خيارات حتى استقر على اسم “المنتحل” لروايته الثانية التي ستصدر قريبًا عن دار نينوى السورية.
أما الروائية إيمان المازري فقد عرفت أيضًا باهتمامها البالغ بتسمية سردياتها تسمية غير مسبوقة بحيث لا تتطابق حتى كلمة واحدة في العنوان مع كلمة في عنوان رواية سابقة لها. وبدا ذلك واضحًا في عنوان سرديتها الأولى “صدفة مؤجلة – دار أوراق القاهرية – 2016م”. كما تفرد أيضًا عنوان روايتها الثانية “عمران”، التي فازت بالمركز الأول لجائزة الطيب صالح – 2017م، مناصفة مع رواية “أمي وحكايات المدينة عرب”، للروائي محمد سيف الدولة صالح.
ومن حالات التناص في العنوان في الشعر السوداني، ذلك التناص بين اسم ديوان “العاطل عن الوردة 1988م” للشاعر العراقي باسم خضير المرعبي وديوان “العاطل عن المجاز 2018م” للشاعر السوداني بابكر الوسيلة.
اما في الرواية فنرى الروائي الحسن بكري يتعمد ان يتناص عنوان روايته “حكاية مدينة واحدة’، دار العين القاهرية 2018م، عكسيًا مع عنوان رواية “حكاية مدينتين” للروائي البريطاني الأشهر تشارلز ديكنز. والحسن قصد بذكاء أن يستفيد من الشهرة التي حظيت بها رواية ديكنز في السودان، إذ ظلت لسنوات طويلة ضمن الروايات المقررة على دارسي الأدب الإنجليزي بالمدارس المتوسطة. ومؤخرًا أصدر القاص صديق الحلو مجموعة قصصية بعنوان “العالم لا ينتهي خلف النافذة”. وقد تماهى عنوان المجموعة مع كتابة إبداعية سابقة للأستاذ كمال الجزولي، بذات العنوان، تناول فيها الرحيل الفاجع والمأساوي، للشاعر عبد الرحيم أبو ذكرى.
ورغم قناعتي بأن ذلك “التقارب” في الاسم بين ديوانين أو روايتين أو مجموعتين قصصيتين لا يعيب المتأخر منهما زمانيًا، إلا أنه يلقي بظلاله بلا أدنى شك على قراءة المتلقي الذي سبق له ان قرأ “التوأم” الأسبق زمنيًا.
وتلك الظلال قد تأتي في مصلحة العمل الإبداعي الأحدث إذا استطاع أن “يتميز” ويقدم محتوىً مختلفًا في قالب إبداعي مغاير “لسميه” الذي سبقه في الزمان.
وربما تأتي ظلالًا سالبة في حالة غياب التفرد والتميز والأصالة.
وذلك ما أزمع القيام به في “مقاربة مقارنة” Approach Comparative بين الرواية الإسبانية “بقايا القهوة” والسودانية “بقايا قهوة”.
ثم إن مد الديان في العمر بين ديوان المرعبي “العاطل عن الوردة” وديوان بابكر الوسيلة “العاطل عن المجاز”. وربما أعود لقراءة رواية “حكاية مدينة واحدة” للحسن بكري على ضوء القراءة السابقة لرواية “حكاية مدينتين” لتشارلز ديكنز.