
التشريع الإسلامي بين الأصول والفروع
الحلقة الثانية
د. محمد محمد الأمين عبد الرازق
تحدثنا عن السنة وقلنا إنها تعني عمل النبي عليه الصلاة والسلام، في خاصة نفسه.. وقد كانت معاملته لكل الناس قمة في الإنسانية.. كما جاء في الحديث (الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله) وقد كرم القرآن بني آدم كافة دون تمييز قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) وعندما مرت جنازة يهودي وقف النبي الكريم فقال له بعض الأصحاب: إنه يهودي يا رسول الله!! فرد عليهم:(أليست نفسا بشرية!!
وبوحي من روح أصول القرآن هذه، رحب النبي بدعوة عبيد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول زعيم المنافقين، ليتولى تجهيز والده ويكفنه ببردته ويصلي عليه، وقد فعل النبي كل ذلك رغم اعتراضات عمر بن الخطاب في الميدان بألا يصلي النبي وحاول إبعاد بردة النبي حتى لا يدفن ابن سلول فيها..
لكن نزل القرآن مؤيدا موقف عمر ومنع النبي بعدها من الصلاة على المنافقين، وكان هذا نزولا من المستوى العلمي في الأصول إلى الفروع فرضه واقع الناس، وقد أشرنا في الحلقة الأولى أن عمر كان يمثل قمة المستوى العقائدي ولذلك دائما يقر القرآن رؤيته شريعة عامة للمجتمع..
نطالع ما جاء عن هذه الحادثة في تفسير ابن كثير أخذا عن البخاري :
حدثنا عبيد بن إسماعيل ، عن أبي أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : لما توفي عبد الله – هو ابن أبي سلول – جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه ، فأعطاه ، ثم سأله أن يصلي عليه ، فقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليصلي عليه ، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : يا رسول الله ، تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ! فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : إنما خيرني الله فقال : ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) وسأزيده على السبعين . قال : إنه منافق ! قال : فصلى عليه [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ] فأنزل الله – عز وجل – آية : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره )
وأحب أن أذكر دقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتمسكه بالحق ولو على نفسه، فعندما حضره الموت طلب من حذيفة بن اليمان خبير المنافقين أن يخبره هل اسمه ضمن المنافقين الذين حددهم له النبي!! فأقسم حذيفة له أنه ليس منهم، ورغم ذلك وصى ابنه عبد الله أن يتأكد عند الصلاة على الجنازة في المسجد هل حذيفة موجودا في الصفوف، فإن كان غائبا فادفنوني في أي مكان فلا تجعلوا قبري في حجرة عائشة مع النبي وأبي بكر..
الشاهد أن حذيفة حضر الصلاة فدفن عمر بن الخطاب مع النبي وأبي بكر..
نواصل إن شاء الله