تقارير

فساد إداري ومحاباة قبلية في سفارات سودانية

سودان ستار

تقرير : الكاظم هـرون إسماعيل 

 

كشفت وثائق مسربة عن حجم الخلل الهيكلي والتجاوزات الإدارية داخل سفارات سودانية، في واحدة من أخطر ملامح التمييز الجغرافي والقبلي الذي طالما حذر منه الخبراء والمراقبون.

 

البيانات التي تضمنها الكشف الأخير للوزارة بشأن توزيع الضباط والدبلوماسيين في الإدارات والوحدات المختلفة، أظهرت وجود انحياز صارخ لقبيلة واحدة على حساب باقي مكونات الشعب السوداني، في خرق واضح لمبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص داخل مؤسسات الدولة.

 

التحيّز القبلي… أرقام لا تكذب

 

بحسب تحليل الانتماءات القبلية الواردة في الكشف، تَبيّن أن قبيلة واحدة استحوذت على 54% من التعيينات (14 من جملة 26)، فيما تمثلت باقي الـ 46% في قبائل متفرقة لم تنل سوى تمثيل رمزي لا يتناسب مع تنوع السودان الجغرافي والسكاني.

 

الأدهى من ذلك أن محطات العمل الخارجية (دبي، الرياض، عمّان، القاهرة، طرابلس، موسكو، جوبا…) ذهبت بمعظمها إلى أفراد من هذه القبيلة المهيمنة، ما يعزز الشكوك حول وجود محاصصات داخلية تُدار خلف الكواليس، بعيدًا عن الكفاءة أو المعايير المهنية.

 

سيطرة “الوحدة الأخرى”

 

فيما يتعلق بالتوزيع الإداري، كشف التقرير أن ما نسبته 69.24% من الضباط والإداريين أُلحِقوا بما يسمى “الوحدة الأخرى”، وهي تسمية فضفاضة تُستخدم -وفقًا لمصادر مطّلعة- لتجاوز الهياكل الرسمية والتحايل على لوائح التوظيف.

 

من اللافت أن ولايات بأكملها مثل دارفور، كردفان، النيل الأزرق، وشرق السودان لم تحظَ بأي تمثيل يُذكر في هذه التعيينات، في تجاهل تام لمبدأ التمثيل المتوازن والمناصفة الذي نصت عليه مواثيق السلام والترتيبات الإنتقالية.

 

هذا ليس خطأً… بل نهج منظّم

 

يرى مراقبين أن ما حدث ليس مجرّد “خلل إداري”، بل سياسة مبرمجة تهدف إلى إحتكار الدولة ومفاصلها الحساسة من قبل مجموعات محددة على أسس جهوية وقبلية.

 

وأكد أحد المحللين – فضّل عدم الكشف عن أسمه – أن هذا النوع من التعيينات “ينسف ما تبقى من الثقة في الدولة السودانية، ويفسر كثيرًا من أسباب الغضب الشعبي والتهميش والتمرد في الأطراف”.

 

دعوات للمحاسبة والإصلاح

 

مع تصاعد وتيرة الحرب، طالب نشطاء وحقوقيين بـ:

– فتح تحقيق عاجل حول هذه التعيينات.

– تجميد التوزيعات الحالية لحين مراجعة شاملة.

– تبنّي مبدأ الكفاءة والعدالة والتمثيل الجغرافي الحقيقي في كل مؤسسات الدولة، وخاصة وزارة الخارجية التي تمثل وجه السودان أمام العالم.

 

في وقت يُفترض أن تتجه الدولة نحو تعزيز اللحمة الوطنية وتحقيق العدالة الانتقالية، تكشف هذه الوثائق أن الولاء لا يزال يتغلب على الكفاءة، والقبيلة تُقدَّم على الوطن.

فهل تتحرك الجهات المعنية لإيقاف هذا العبث؟ أم أن البلاد ماضية في طريق الإنهيار المؤسسي الكامل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى