حاتم خورشيد يكتب: الظاهرة العُمَرِّيَّه.. سيرة عمر نور الدائم بين المجد والنبوغ والزهد السياسي
سودان ستار

الظاهرة العُمَرِّيَه
رحلة الشتاء والصيف كما جاءت بتصوّر سورة (قريش) فى قوله تعالى …لإلآفِ قريش إلآفِهِم رّحلة الشتاءِ والصَيّف… كان قوم بحر أبيض يسعون كذلك كأهل الصفا والمروه بين مراتع الرعي صيفاً وخريفاً وبين مضارب الزرع شتاءاً تلك المُشْتَايَه كما تحلو له ذكراً فى العام 1934م وعلي بساط *كَرَدْ النيل الأبيض الأخضر حيث الجروف وزراعة الذره الصفراء. جاءت شهقة الطفل الوليد فأذّن في مسمعه جده الأنصاري نورالدائم وأطلق عليه أسم عمر تيمنا بخاله الناظر حاج عمر والدته الحرم حاج محمد هباني وجدته لامه هي عز العفا بنت تبيرة ودخوجلي الذي استشهد مع جيش خليفه المهدى في الحبشه والدتها أم حسين بنت خورشيد بك ،وجده لأبيه الفكى إدريس ود محمد وهو أول من بائع الإمام المهدي في قدير في العام 1872م، لقد تزاحمت في نشأته سمات عديدة مرتبطه بالجغرافيه والتاريخ والدين والمدنيه والإداره فنسجت حوله ثوب السمو والعزة فحلّق بمداركه صوب الذري ، ومايميزه عن اقرانه أن عمراً كان وسيماً بهي الطلًه خفيف الظل سريع النكته والدعابه فطن لبق حاضر البديهه،يستخدم أيسره دوما(أعسر) كان مقبلا علي الحياة بإدراك العلماء وزاهداً فيها كماالصوفي المتبتّل ، لقد إرتوت حناياه في مراتع صباه بكل فسيفساء الحياة كانت نعيمه عندها شب تعج بألوان الحياة بها مزيجاً من الحضرّ والبداوّه حيث الزراعه والرعي وتربية الحيوان وحضرها بالمعاهد الدينيه والمدارس والمحاكم والسجون والمساجد الانيقه ،والألعاب التنافسيه كركوب الخيل ولعب البولو علي ظهورها وكرة القدم ،إضافة لهذه البانوراما البهّيه كانت خلوة جده تدرس القران في منزله ، لقد نشأ عمراً في هذه المنطقه التي تمثلّت فيها محاسن الحياة هذا الوضع جعلها قبله للحكام الإنجليز جعلوها ثقل ومركز إداري علي مستوي السودان، ولإهتمام أسرته به ورعايتهم له وخاصة والده محمد نورالدائم ولإستعداده الفطري ونبوغه المبكّر ولما يتميز به عن أقرانه من صفات قد تجسّدت في مواهبه الأدبيه والرياضيه والفكريه والإجتماعيه والثقافيه والسياسية ساعدت هذه في الدفع به خارج محيط منطقته لينهل من العلوم ما إستطاع فيمم به والده الأنصاري صوب مدرسة الأحفاد فارتقي فيها سلماً بقدراته ورغباته الجامحه حتي أطل علي أبواب مدرسةحنتوب الثانويه ومن ثم جامعة الخرطوم كلية الزراعة قسم الهندسه الزراعيه وعبرها إلتقى برفيق دربه الصادق الصديق المهدى ونشأت بينهم صداقه قوية إستمرّت حتى وفاته ،دخل دكتور عمر نور الدائم عالم السياسه عبر بوابة الحكم المدنى الديمقراطي في العام ١٩٦٤م نائباً عن دائرته فى منطقة شمال النيل الأبيض (محلّية أم رِمْته)..ممثلاُ حزب الأمه القومى وتلك مرحله عمّقت دوره السياسى ودشنت مرحلة من مراحل تطلعاته الحقيقيه فى إقامة حكم ديمقراطي راشد فى السودان فتقلّد فى حزبه منصب الأمين العام ومن ثم نائباً لرئيس حزب الأمه القومى وفى عهده أصبح الحزب فاعلاً رئيساً فى الفضاء السياسى فى البلاد بحيث أحدث تحولات نوعيه تصب فى مصلحة الحزب على وجه الخصوص والسودان عامةً حيث كرس جلّ وقته للعمل التنظيمى والإتصال بقواعده الجماهيريه على نطاق القطر الشاسع كانت له داخل البرلمانات المختلفه صولاتٍ وجولات لتميزه بالشفافية والوضوح وموثوقيته فى العمل العام وحبّه العظيم لشعبه وبلاده وكما أنه تميّز بالدعابه وخفّة الدم وسرعة البديّهه وكانت داره الفسيحه قبّلةً لكل السودانيين حفاوةً وكرماً وقضاء حاجات حتى لُقّب (بشيخ العرب) العرب)وفى ولايته أحرزحزب الأمه القومى أعلى عدد من الدوائر فى إنتخابات العام ١٩٨٦م فاز الحزب بعدد (١٠١) دائره على مستوى البلاد مماجعله حزب الأغلبيه فى البرلمان تقلّد فترات مختلفه وزارتي الزراعة والمالية وكان فيها نعم الوزير المُجيد ولم تمتد أياديه إلى المال العام، خلق علاقات ممتده خارج وداخل البلاد مع كافة الأطياف السودانيه بما فيهم الذين إنقلبوا على حكومته فى العام ١٩٨٩م وكانوا يستقون منه النصح والمشوره ولقد رأيت بأم عينى أن مهندس إنقلاب ١٩٨٩م على عثمان يتردد على بيته من الفيّنة والأخرى يستشيره فى الشأن العام وكان لايبخل عليه كعادته والغرابة أن جميع وزراء الإنقاذ آن زاك لايردون له طلباً برغم إختلاف المفاهيم والرؤى، وفى علاقته بالعالم الاقليمى والدولى فقد توثقت علاقاته بشكل عميق مع كافة ملوك وأمراء المملكة العربية السعودية حتى أنه قد منح الجواز السعودى وكذلك شيوخ وأمراء الخليج جميعاًومع الحكومات المصريه المتعاقبه حيث له حظوة ومكانه لديهم وفتحوا له كافة الأبواب دون إستثناء ،كانت له فى المحيط الأفريقى علاقات عميقه وحميمه ولاسيما مع الرئيس الأرترى أسياسى أفورقي وجميع الرؤساء والوزراء الأفارقه دون إستثناء ،وعلى المحيط الأوربي والأمريكي كانت تجمعه صداقه عميقه مع الرئيس الأمريكى (جيمى كارتر) ومع الإنجليز والألمان الذين كانت له محطه متعلقه بدراساته العليا فى الماجستير والدكتوراه فأجاد اللغتين الانجليزيه والألمانيه وأذكر أنه فى العام ١٩٨٢م صادف وجوده فى منطقته نعيمه وفى منزل بنت عمه التوم نورالدائم ( زينب) بأن دعى لمائدة طعام مدراء شركتى (بلفنقر)(وويزفرى تيق) الألمانيتين اللتين أنشأءتا طريق الخرطوم كوستى فى عهد الرئيس نميري وأنا كنت حضوراً فلقد إندهش مدراء الشركتين فى طلاقة لسانه وإجادته للغه الألمانيه بشكل يفوق الوصف وشرح لنا أنه تناول معهم الحديث عن تنفيذ المشروع وتجويده وإتقان العمل برغم أنه كان خارج السلطه ومعارضاً لحكم مايو هؤلاء هم الرجال الوطنيين اللذين يعملون لأجل أوطانهم فى كل الأوقات ودون كلل أو ملل ، عارض دكتور عمر نورالدائم حكومة الإنقاذ الوطنى ، داخل وخارج البلاد حتى عاد من غربته ومنفاه فى أرتريا وعوداته كثير منذ النميرى وأخيرا البشير حيث كوّن هنالك ومعه رئيس الحزب الإتحادى الديمقراطى السيد محمد عثمان الميرغنى ود.جون قرنق ديميبور التحالف الوطنى الديمقراطي وأنخرط فى إعادة التنظيم الحزبى لعودة العمل من الداخل بعقد الندوات والورش والقيام بالاتصال بالقواعد ، وكذلك مشاطرة الأهل والأقارب فى وفيّاتهم وفى رحلته الأخيرة لأداء واجب العزاء فى أحد أقطاب حزبه بمعيه مولانا عبدالله اسحق فى غرة رمضان فى العام٢٠٠٣م بعد أن تناول إفطار رمضان فى نعيمه مرّ بمدينة القطينه وأفرغ كل مافى جيبه إكراماً لمن معه فى العربه بتناولهم مشروب الببسي وبعد تحركه ب(٤٥) دقيقه وفى منطقة تفتيش ودجار النبى بالقرب من جبل أولياء وقع الحادث الذى أودى بحياته ووضع نهايه لمسيرة تاريخيه لرجل وهب نفسه لأجل الوطن والشعب تاركاً خلفه ذرية مكونه من ثلاث أبناء مهدى،عابدين،محمد،وبنتين نون،وصفيه وزوجته فاطمه محمدعلي بحار والتى كان يكن لها كل الودّ والتقدير ومافتئ يذكر أنها كانت وراء كل نجاحاته فى الحياة وهى قد لحقت به للرفيق الأعلى بقاهرة المعزّ فى العام ٢٠٢٤م كانت آخر أحلامه والتى ذكرها لى شخصياً هو إعتزال العمل السياسي والتفرغ لإستغلال علاقاته الواسعه فى جعل النيل الأبيض بستان أخضر ومازال أبنائه وبناته على الدرب سائرون .