
تشهد المبادرة الأمريكية لإنهاء الحرب في السودان، عبر اجتماع الرباعية الذي يضم الولايات المتحدة والإمارات ومصر والمملكة العربية السعودية ، محاولاتٍ للتوسع بإضافة قطر وتركيا، وهما الدولتان الداعمتان لجماعة الإخوان المسلمين ومليشياتها المتطرفة التي لعبت دوراً رئيسياً في إشعال الصراع وتدمير البلاد. لكن هذه الخطوة تثير تساؤلاتٍ حول جدواها، خاصةً مع تاريخ الدعم التركي والقطري للميليشيات الإرهابية، مما يهدد بتعقيد المسار بدلاً من حله.
وفي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لوقف نزيف الدم السوداني، تظهر مصر كطرفٍ يعيق المسار السياسي، ليس بدافعٍ إنساني أو رغبةٍ في مساندة الدولة السودانية، بل لأنها تستفيد استفادةً كبيرةً من استمرار الحرب. فقبل اندلاع الصراع، كانت مصر تواجه تهديداً وجودياً بسبب أزمة سد النهضة الإثيوبي، فوجدت في الفوضى السودانية فرصةً لتحويل نصيب السودان من مياه النيل لصالحها، وتعويض نقص حصتها من المياه.
ولم تكتفِ مصر بذلك، بل استفادت اقتصادياً من معاناة السودانيين، حيث ارتفعت تحويلات المغتربين السودانيين المقيمين على أراضيها، ورفعت تكلفة تأشيرة الدخول إلى حوالي ٢٥٠٠ دولار تحت بند الموافقة الأمنية بالاتفاق مع السلطة الإنقلابية في بورتسودان، مستغلةً حاجة المواطنين الهاربين من جحيم الحرب للعبور إلى أراضيها. كما شهدت صادرات الذهب المصري قفزةً كبيرةً بلغت ٤٠٪، بفضل التهريب المنظم للذهب السوداني عبر الحدود، بالإضافة إلى بيع الأسلحة والمتفجرات التي تصنعها المصانع المصرية للجيش السوداني مقابل الذهب.
لذلك، تتخوف مصر من التغيير في السودان لضمان مصالحها في ظل هشاشة السلطة الانقلابية وتحرص على إفشال أي حلول سياسية تمنح “الدعم السريع” دوراً في الحكم، باعتباره – من وجهة نظر النخبة الحاكمة في القاهرة – امتداداً للثورة المهدية التي تعتبرها عدواً تاريخياً لمصر. وفي اجتماع الرباعية السابق، حاولت مصر إدخال الجيش السوداني كطرفٍ في المفاوضات، لكن الطلب قوبل بالرفض، مما أدى إلى تأجيل الاجتماع. وبدلاً من ذلك، أصرت الولايات المتحدة على مشاركة أعضاء الحكومة الانتقالية التي أطاح بها الجيش، مؤكدةً أن انقلاب البرهان لا يمثل سلطةً شرعية.
لكن النظام الانقلابي، بدلاً من الانصياع لمطالب الرباعية، لجأ إلى حيلةٍ جديدةٍ تتمثل في المطالبة بمشاركة تركيا وقطر، محاولاً خلق توازنٍ لصالح الأطراف الداعمة له. هذه الخطوة لن تُسهم في حل الأزمة، بل ستزيدها تعقيداً، خاصةً مع الدور التركي الصريح في دعم الميليشيات الإخوانية.
الواضح أن مصالح بعض الأطراف الإقليمية، وخاصة مصر، تتعارض مع تحقيق السلام في السودان. فاستمرار الحرب يعني استمرار الهيمنة المصرية، واستنزاف موارد السودان، وتكريس معاناة شعبه. أما الحل الحقيقي فيكمن في إبعاد الأجندات الخارجية، والضغط على الأطراف المتحاربة للوصول إلى تسويةٍ سياسيةٍ تضمن حقوق الجميع، وتوقف نزيف الدم السوداني الذي استمر طويلاً بسبب محاولات النخب المركزية المدعومة من مصر للمحافظة على إمتيازاتها على حساب مصالح الشعب السوداني.