مقالات الرأي

عزيز الدودو يكتب: مواطن بلا كرامة… متى نتحرر من عقدة “الأفندي”؟

سودان ستار

 

 

في إحدى الدوائر الحكومية، حيث يفترض أن تُقدَّم الخدمات للمواطن بتكريم لا بتعالٍ، وجدتُ نفسي أمام موظف يتعامل معي وكأنني متسوِّلٌ يطرق بابه.

 

سألني عن مهنتي بفتور، وعندما أجبتُ “كاتب”، ارتعشت أصابعه وسقط القلم في زحمة الأوراق المبعثرة على الطاولة، بينما غطت نظرةُ استخفافٍ وجهَه.

 

كان ذلك كافياً لفهم أن كرامتي كمُواطن مرتبطةٌ بوظيفةٍ مزعومةٍ في عقليته الضيقة.

 

قبل أن يمطرني بأسئلته الغبية، قاطعته بمزاجٍ متعكر:

 

“سجِّلني عابدً أو راهب..

المهم لا تكتبني طالب، فقد مللتُ هذه الصفة التي تلاحقني في كل معاملة!”

 

لكنه تجاهل كلماتي، وبدأ يتهامس مع زميلته المتعجرفة، التي كانت تتلصص على الحوار بشماتةٍ واضحة.

 

هنا، ألقيتُ عليه سؤالًا ساخرًا مع تركيز نظرتي الحادة على وجه زميلته التي ظلت تتلهف لحشر أنفها في الموضوع:

 

“هل يُمكنك أن تسجلني ضابط؟”

 

فإذا بالجو يتغير فجأة، يُنهي الإجراءات بسرعةٍ وتركيز، وكأن كلمة “ضابط” كانت تعويذةً سحريةً تفتح الأبواب الموصدة.

 

التجربة تطرح سؤالًا مُزعجًا:

 

لماذا يُعامَل المواطن بهذا الازدراء؟

 

هل نحن أمام سلطة وطنية تُجسِّد قيمنا، أم أمام بقايا نظامٍ استعماريٍّ بائد؟

 

الواقع المؤلم هو أن العقلية الاستعمارية ما زالت حيةً في مؤسساتنا، تُربِّي الموظف على أنه “أفندي” والعسكري على أنه “بَاشا”، بينما المواطن العادي مجرد رقمٍ في طابورٍ طويل.

 

لقد تحولت الخدمة العامة إلى مجالٍ للاستعلاء، والمواطن إلى ضحيةٍ صامتة.

 

الأمر ليس مجرد شكوى من موظفٍ متغطرس، بل هو انعكاسٌ لأزمة هوية.

 

كيف لنا أن نبني دولةً قويةً بينما لا يزال الموظف العام يرى نفسه سيدًا والمواطن تابعًا؟

 

كيف نطالب بالولاء للوطن ونحن نُهين كرامة أبنائه في أبسط معاملاتهم؟

 

الاستعمار رحل، لكنه ترك وراءه أمراضًا اجتماعيةً تحتاج إلى علاجٍ جذري.

 

حان الوقت لثورةٍ حقيقيةٍ في عقولنا ومؤسساتنا.

 

ثورةٌ تقتلع فكرة “الموظف السيد” وتُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن على أساس الاحترام المتبادل.

 

لن نكون أمةً حقيقيةً طالما ظل الفرد يُقاس بمهنته لا بإنسانيته، وطالما بقي الإحترام امتيازًا للرتب لا حقًّا للمواطنة.

 

كفى إذلالًا لإنسان هذه الأرض… فالكَرامةُ أوَّلُ خطوةٍ نحو الوطن!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى