
سودان زمان ارجع لينا، ولكن هيهات. يقولون:
إن عاصمتنا الخرطوم كانت في الستينات ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻭﻣﺤﺎﺳﻦ النظام المدني، والرونق الحضري، وقصورها في غاية البهجة، وشوارعها منتظمة.
ﻟﻢ ﻳﺠﺮؤ ﺃﺣﺪٌ ﻋﻠﻰ ﺩﺧﻮﻝ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻬﺎ ﻭﺃﺳﻮﺍﻗﻬﺎ ﻭﺃﻧﺪﻳﺘﻬﺎ بشبشب أو سفنجة.
ﻛﺎﻥ ﻣﻮﺍﻃﻨﻮ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ ﻳﻘﺮﺃﻭﻥ ﺍﻟﺼﺤﻒ ﻭﺍﻟﻜﺘﺐ، ﻭﻳﺤﺼﻠﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﻄﻮﺍﻧﺎﺕ ﻳﻮﻡ ﺻﺪﻭﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ.
ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻳﺸﺘﺮﻭﻥ ﺃﻗﻤﺸﺔ ﺍﻟﺼﻮﻑ، ﻭﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﺍﻷﻭﺭﺑﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺸﺎﻱ، ﻭﺃﻣﻮﺍﺱ ﺍﻟﺤﻼﻗﺔ من ﺃﺳﻮﺍﻕ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ ﺗﺰﺧﺮ ﺑﺎﻟﻤﺴﻤﻴﺎﺕ ﺍﻷﻭﺭﺑﻴﺔ ﻟﺸﻮﺍﺭﻋﻬﺎ ﻭﻣﺤﺎﻟﻬﺎ ﻭﻣﺘﺎﺟﺮﻫﺎ.. كلها اختفت بعد ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻝ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺷﺎﺭﻉ ﻓﻜﺘﻮﺭﻳﺎ الذي ﺃﺻﺒﺢ ﺷﺎﺭﻉ ﺍﻟﻘﺼﺮ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﻫﻲ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺧﻤﺴﺔ ﺗُعَدّ ﻣﻦ ﻛﺒﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺠﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻷﻫﺎﻟﻲ، وتقع في منطقة ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ،
ﻭﻫﻲ قهوة ﺍﻟﺰﻳﺒﻖ/ﺍﻟﻜﻮﺑﺎﻧﻲ، ﻭﺃﺑﻮ ﺯﻳﺪ، وقهوة يوسف الفكي في أمدرمان بالقرب من مرسى ميامي.
ساعتها كانت بلادنا فيها الدين لله والوطن للجميع. الناس فيه سواسية كأسنان المشط أمام قانون علماني يحفظ للجميع حقوقهم بكل عدل وإنصاف، ولا فرق بين عربي وغير عربي، أو مسلم وقبطي ومسيحي ويهودي أو وثني.
كان السودان ينعم بالقومية في كل شيء: الخدمة المدنية، الخدمة العسكرية، التوظيف، القبول بالجامعات، التعيينات بوزارة الخارجية، ولا يلمس أحدٌ أي نوع من العنصرية في هذه الأماكن.
كان الضابط السوداني وقتها عنده هيبة تجبر الإنسان على احترامها. أتذكر سألت خالي الأمباشا المرحوم محمد خير عن البوليس زمان، فقال لي:
يكفيك عمل السواري الذي يبدأ ليلًا بعد منتصف الليل وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، ويسمى الرجال الذين يعملون بالسواري بالفرسان، ويتم تدريبهم على العمل ليدركوا كيفية التعامل مع الفرس الذي يمتطونه؛ لأن الفرس يحتاج نوعية معيَّنة من التعامل ترتبط بالألفة والتعامل الخاص في الشد والركوب.
يشترط أن يكون بدورية السواري اثنان من الفرسان مزوَّدان بالبطاريات والكلابيش والطبنجة، وكذلك تساعد الإضاءة في كثير من عمل السواري وضبط المجرمين بسهولة.
كثيرًا ما يكون عمل السواري في الأزقة والأحياء والشوارع المظلمة والساحات الواسعة والأماكن المهجورة والخيران، التي تتم وفقًا لمتابعة المجرمين، ودائمًا ما يتم ضبط معتادي الجرائم وفتح البلاغات في الأقسام المعنية، ويقع العاتق الأكبر عليهم.
ختامًا:
نتمنى من الله رب العزة والجلال أن تنتهي هذه الحرب الملعونة، ويعم السلام والأمن والأمان، ويرجع السودان كما كان: نظافة شوارع، ونظافة قلوب، وساسة وطنيون همهم السودان فقط؛ لا هيمنة ولا تمكين من فئة معينة، فقط سودان موحد. وما ذلك على الله بعزيز.