
متى ينتهي هذا الجحيم؟
لقد شهدنا تبريرًا وتصفيقًا مروعًا للمذابح الوحشية التي ارتكبها الجيش ضد المدنيين العزل، لمجرد الاشتباه بهم، كأن يكون لأحدهم صلة بأفراد الدعم السريع، سواء بجلوسه معهم في مقهى لإحتساء الشاي أو زيارات عائلية أو علاقة عابرة.
هذه الشبهات وحدها كانت كفيلة بإزهاق أرواح من تم رصدهم بواسطة مخبرين سريين متواجدين في المنطقة.
والأدهى من ذلك، أن وشاية كاذبة بسبب خصومة شخصية قد تؤدي إلى قتل فوري من قبل الجيش أو كتيبة البراء دون أي تحقيق.
لم تسلم حتى النساء من هذا القتل العشوائي، بل وصل الأمر إلى بقر بطون الرجال والنساء على يد الكتائب الإرهابية التابعة للجيش.
تخيل بشاعة منظر بقر بطن إمرأة وإخراج الجنين من أحشائها، لأنها تزوجت من أحد أفراد الدعم السريع، أو قتل شاب لأن أخته متزوجة من دعامي.
كل هذه الجرائم كانت ترتكب وسط تهليل وتكبير من البعض، لأن الضحايا كانوا مرتبطين أو مشتبه بتعاونهم مع الدعم السريع، رغم كونهم مدنيين لا يملكون سلاحًا.
فمن الطبيعي أن يتعاونوا مع من يملك القوة لإيذائهم، تمامًا كما يفعل أفراد القوات المسلحة الأسرى الذين يبدون أقصى درجات التعاون مع آسريهم.
فلماذا هذه المزايدة على المدنيين المساكين؟ أليس المواطن أسيرًا لمن يسيطر على منطقته؟
ومن حقه الحفاظ على حياته كما يفعل أي أسير في قبضة العدو أو الطرف الآخر.
لقد طال صمت الناس على هذه الانتهاكات، ودفع البعض ثمن صمته غالياً عندما امتدت هذه التجاوزات لتطال أحبائهم، كما حدث مع الصحفي أحمد أمين الذي كان يمجد الجيش ويبرر أفعاله، ثم فجأة كتب منشورًا دامعًا، حزنًا على ابنه الذي قُتل لأن ملامحه تشبه سكان غرب السودان، فهو من الدناقلة ذوي البشرة السمراء.
هكذا كانوا يصطادون الناس بقانون “الوجوه الغريبة”، أي أن تُجرم وتُقتل بسبب لون بشرتك أو هويتك العرقية.
هذا الأمر لم يحدث في ليبيا، رغم وجود عدد كبير من المرتزقة السودانيين الذين قاتلوا هناك. لقد كنت في ليبيا في الفترة من 2019 إلى 2022، في أوج الحرب، لكن لم يتم تصفية أي سوداني بتهمة الارتزاق، حتى الأسرى الذين تم القبض عليهم في المعارك لم يُقتلوا بهذه الطريقة الوحشية التي نشهدها في السودان.
لقد أدت سياسة الصمت على الأفعال إلى نتائج كارثية، فلكل فعل رد فعل طبيعي.
والآن نشاهد جرائم مماثلة لجرائم الجيش تحدث كرد فعل من الطرف الآخر، اللي هو الدعم السريع، كما رأينا اليوم في منطقة صالحة. والذين ارتكبوا هذا الفعل هم جنود تصرفوا بشكل فردي انتقامًا، كما أوضح أحدهم بأنه هو من أمر بقتل الأسرى الذين قال عنهم، أنهم جنود من كتيبة البراء تم القبض عليهم في منطقة المهندسين.
أعتقد أن هذه الحرب خرجت عن السيطرة، فالحرب لها منطقها الخاص، وحتى القادة العسكريون يفقدون السيطرة على الأمور في مراحل معينة.
الجنود يتصرفون بدافع ذاتية، واستجابة لضغوطهم النفسية وانفعالاتهم اللاإرادية.
لذلك، الحل الأمثل هو أن نتحد جميعًا ونقول “لا للحرب” بصوت واحد. أما إذا إستمر هذا الوضع، وتورطنا أكثر في دعم أطراف الصراع، فإننا نصبح شركاء في جرائم الحرب المرتكبة. على الأقل، ولو لمرة واحدة، فلنقل “لا للحرب”، فالحديث عن الانتهاكات بدون إرادة حقيقية لوقف الحرب لا جدوى منه.
الحرب هي الجحيم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بغض النظر عن أطرافها، سواء كانوا أخيارًا أم أشرارًا.
ففي النهاية، الحرب لها سلطة خاصة تعلو فوق كل القوانين وتدمر كل الأخلاق. حتى حروب الرسول والصحابة لم تخلُ من هذه التجاوزات وانتهاك حقوق الأفراد – ومن يقرأ كتب التراث الإسلامي سيجد سجلًا حافلًا بذلك.
لذا، الحديث عن جرائم الحرب لن يغير في الواقع شيئا ما لم يكن إدانة الإنتهاكات متزامنا مع وجود إرادة وطنية حقيقية تعمل بجد لوقف هذه الحرب بكل الوسائل الممكنة.
وإن فشلنا في ذلك، فستصبح هذه التجاوزات واقعًا مريرًا نضطر للتعايش معه، بكل أسف.