
عين علي الحقيقة
يقول الراحل الدكتور منصور خالد: إن وضعنا نصب أعيننا تجربة انفصال الجنوب وأستعار الحروب في الغرب والوسط لأدركنا أن تراكم الفشل سيقود حتماً إلى واحد من شيئين: الأول هو الحساسية من النجاح.
والثاني هو ذوبان الدولة.
ولعل مقدمات “ذوبان الدولة” تبدو الآن شاخصة للعيان.
بيد أن من أخطر أسباب هذا التفسخ والتحلل والذوبان المحتمل، أحوالا هي أقرب لأن تكون أعراضا مرضية، لا زالت تعتري أناسا يفترسهم هاجس النقاء الأثني والاستعلاء العرقي، مع تضخيم للذات، بخيلاء زائفة لا تخفي.
فكُلُّ يَدَّعِي هنا وَصْلاً بِلَيْلَى “العروبة”.
رغم أن لَيْلَى “العروبة” لَا تُقِرُّ لَهُمْ بِذَاكَا.
وبالتالي فأن تعميق مثل هذا الإستفخار الأجوف، والتباهي الكذوب بالعروبة، من بعض أهل السودان علي البعض الآخر، قد صنع ما يشبه كراهية متبادلة، لم تقف فقط عند حدود الإنفعالات العاطفية العابرة، بل صارت سلوكاً.
فشيوع مثل هذه الخلة، من ناحية، هو ظاهرة مرضية، ومن ناحية أخرى، هو عاهة خلقية.
فمن الناحية المرضية إعتبر سيغموند فرويد في كتابه “الغرائز وتقلباتها”، كراهية الآخر تعبيراً عن رغبة دفينة في تدمير هذا الآخر، باعتباره مصدر تعاسة دائمة، لمن يتظنون أنهم عرق أسمي لا يشبههم هذا الآخر في شيء.
وخير مثال علي هذا النمط من الإفتنان بالذات في تيه وخيلاء، قول الشيخ عبدالحي يوسف في آخر محاضرته: “بعض المجتمعات في السودان ومنهم الجنوبيين لا يجمعنا معهم أي شئ، حتى في الشكل، والخلقة، هم كذلك لا يشبهوننا”.
ومن أمثلة ذلك أيضا العبارات العنصرية، التي صدرت بحق الأستاذ لقمان احمد المدير السابق للهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون.
التي تفوه بها المحامي الإسلامي محمد شوكت في حديث هامس مع زميله المحامي الاسلامي أبوبكر عبدالرازق سربه ناقل الصوت المباشر لوكالة السودان أثناء بث لمحاكمة مدبري إنقلاب “الإنقاذ”.
حيث وصف المحامي شوكت، لقمان احمد ب “العب اب نخرين”.
فضلا عما كشف عنه الدكتور حسن الترابي في حديث مشهور عن رئيس النظام الإسلامي المخلوع عمر البشير.
إذ تقول رواية الترابي حرفيا: ” واحد كبير من لجنة التحقيق في جرائم دارفور.. دون أن أسميه قال لي: بعد أن ادينا القسم جلسنا هكذا.. مع الذي نؤدي القسم بين يديه، تعلمون من هو طبعا.. فقال لنا: يعني الغرباوية دي لو ركبها جعلي.. دا شرف ولا اغتصاب دا؟.
وأضاف الترابي، قال لي عضو اللجنة: والله شعري كله قفز” .
إضافة الي رواية أخرى تكشف عن عمق وتجذر وتأثير النزعة العنصرية المسيطرة على عقليات من يديرون الحركة الإسلامية الي يومنا هذا.
تؤكدها إجابة القيادي الإسلامي ورئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم السابق داؤد يحي بولاد الذي سأله دكتور جون قرنق في أول لقاء بعد انضمامه للحركة الشعبية: “لماذا تركت الحركة الإسلامية؟ رد بولاد بقوله:”لأنني اكتشفت ان رابطة الدم أثقل عند الإسلاميين من رابطة الدين”.
رابطة الدم أثقل من رابطة الدين، هو وصف دقيق، يؤكد حقيقة أن هذه الحركة ما هي الا حركة عنصرية، وإن تدثرت بغطاء الدين.
فهي قد درجت علي الكيل بأكثر من مكيال، فهي تارة تنزع عن بعض الناس متي خاصموها هوياتهم، لتصفهم بعربان شتات، بمثلما تعيدها لمن كانوا في عرفها يوما من أهل تشاد.
يدخلون من حبوا في عباءة الوطن، وينفون من كرهوا عن الانتماء له.
وقد فعلها كبيرهم البشير يوم أن قال: أن الهوسا ليسوا سودانيين، ثم عاد للانكار بما يشبه الاعتذار.
وتبعا لهذا المعيار المزدوج المتأرجح، فان هؤلاء الإسلاميين المطففين، كانوا إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون”.
وقد يظن البعض منهم أن الظلم هو ما وقع عليهم فقط، وأن ما يقع على غيرهم ليس ظلما بالضرورة.
علي أية حال، فقد أثارت صورة الحركة الإسلامية في ذهن الكاتب الصحفي الشهير فتحي الضو أسئلة حادة لخصها في مقال معبر عنونه بعنوان معبر هو كذلك ” الأدب، وقلة الأدب.. الأخلاق وعدمها”.
يتساءل فتحي :” لماذا يشكل الاخوان المسلمين أغرب وأسوأ ظاهرة طرأت على الحياة السودانية واورثتها شططا؟.
ولماذا هم فاسدون حتى النخاع حين ينبغي أن يكونوا من الأطهار؟.
وطفق الضو يطلق وابلا من التساؤلات المهمة للغاية من بينها : أوليس لهم عقول تعي إنها أستلبت؟ أوليس لهم ضمائر حية أم أنها وئدت؟ الا يبصرون أم أن قلوبهم عميت؟.
ثم يمضي فتحي الي سؤال جوهري هو سؤال المرحلة دون شك: ” لماذا يجد (الأخ المسلم) سعادته في خلق الفتن، واشعال الحروب، وهواية سفك الدماء؟َ.
الي ان يخلص الكاتب الكبير الي ان حدسه قد قاده من وقت مبكر الي ان الصراع الذي أفتعله الإخوان في السودان هو صراع أخلاقي لا سياسي.