مقالات الرأي

عزيز الدودو يكتب: لعبة التناقضات في السودان

سودان ستار

لعبة التناقضات” في السودان: كيف حوّلت الدولة المركزية الصراع إلى أداة للسيطرة؟ 

تتوالى فصول المأساة السودانية، حيث يتبين أن الصراع الدائر ليس مجرد مواجهة بين الجيش والدعم السريع، بل نتيجة عقود من إستراتيجية ممنهجة اتبعتها الدولة المركزية لضمان بقائها عبر إستنزاف الهامش.

 

فمنذ الاستقلال عام 1956، تحوّلت “لعبة التناقضات” إلى أداة فعّالة لتمزيق النسيج الاجتماعي وإدامة حكم النخبة في الخرطوم. اليوم، يدفع السودانيون ثمن هذه السياسات، بينما يبدو النصر العسكري الكامل مستحيلاً في معادلة صراع متشابكة المحاور.

 

في قلب الأزمة، يبرز تحوّل مؤسسة الجيش من حامٍ للوطن إلى مليشيا حزبية تفقد شرعيتها يوماً بعد يوم. فبدلاً من حماية المدنيين، انخرط الجيش السوداني في تحالفات مريبة مع مليشيات قبيلة وعصابات إجرامية، متخلياً عن مهنيته لصالح حسابات ضيقة.

 

الهجمات الوحشية على قبيلة الحوازمة، والتي أجبرتها على الدفاع عن وجودها بعد مذابح مروعة، ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من التلاعب بالانقسامات العرقية. هنا، يتجلى السيناريو الكلاسيكي للدولة: إشعال العداوات ثم تقديم نفسها كحَكَم، بينما تكرس هيمنتها.

 

تاريخ السودان الحديث هو سجلّ دموي لإستراتيجية “فرّق تسد”. فحين انطلقت الحركة الشعبية مطالبةً بالحقوق، قُمعت باسم العروبة والإسلام باستخدام أبناء دارفور وكردفان. وعندما ثارت القبائل الأفريقية في دارفور، سلّطت الحكومة عليهم القبائل العربية عبر مليشيات الجنجويد.

 

لكن المفارقة الأكثر قسوةً جاءت لاحقاً، حين تحوّل الضحايا أنفسهم إلى أدوات قمع ضد المتمردين الجدد، كما حدث عندما استُخدمت قبائل الزغاوة والمساليت لقمع العرب. هذه الدائرة الجهنمية لا تنتهي، لأنها آلية البقاء الأساسية لنظام حوّل التناقضات إلى وقود لاستمراره.

 

اليوم، يعيد عبد الفتاح البرهان، مهندس مليشيات الجنجويد، إنتاج نفس السيناريو بتعبئة قبائل دارفور ضد خصومه العرب (العطاوة) الذين تمردوا عليه وهددوا سلطته، تأكيداً على أن اللعبة لم تتغير رغم مرور كل هذا الوقت والأحداث الأليمة.

 

السؤال الذي يفرض نفسه: كم من الدماء يجب أن تسيل، وكم من الأجيال ستضيع قبل أن يدرك السودانيون أن الاستقطاب العرقي والقبلي ليس سوى فخّ نُصب لهم ليبقوا أسرى صراع لا نهاية له؟

 

الجواب ربما يكمن في لحظة الوعي الجماعي بأن مصير السودان لن يتغير إلا بقطع الحلقة المفرغة التي حوّلت أبناءه إلى أعداء، والوطن إلى ساحة حرب دائمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى