بلا شكَّ أن موارد الأرض تنوعت بين ثروات باطنية وثروات سطحية، ولكن إذا تأملنا بعمق في حقيقة هذا الكوكب، سنجد أن أعظم مورد على الإطلاق هو ذلك السائل الشفاف الذي نسميه “الماء”. فهو السر الذي ميّز كوكبنا عن سائر كواكب المجموعة الشمسية.
لولا الماء لما كانت لهذه الكرة الأرضية قيمة تذكر، بل لربما كانت الأرض مجرد كتلة من الغبار طافية في فضاء الكون الواسع.
هذه الحقيقة تفرض علينا إعادة النظر في مفهوم القدسية. فإذا كان هناك ما يستحق التقديس على هذه الأرض، فهو الماء قبل كل شيء. منه تنبع الحياة، وبه تستمر، وبدونه تندثر.
في السودان، لدينا نهر النيل الذي يمثل شريان الحياة الحقيقي وأعظم مورد على أرضنا. فهو ليس مجرد مجرى مائي، بل هو رمز للوجود والتاريخ والحضارة.
فكيف يمكن لعاقل أن يتصور إنهاء ارتباطه بهذا الشريان تحت أي ذريعة، سواء أكانت انفصالية أم بدعوى الحفاظ على هوية منفصلة؟ وأي هوية تلك التي يمكن أن تبقى بدون مقومات الحياة الأساسية؟ إن الهوية الحقيقية لا تُبنى على الانعزال، بل على الانتماء المتجذر في أرض وتراث مشترك.
فنحن أبناء هذه الأرض، دماؤنا امتزجت بترابها، وأنفاسنا شكّلت نسماتها، ورفات أجدادنا أصبح جزءاً من مكونات تربتها. هذا الانصهار العضوي هو الذي يشكل هويتنا الحقيقية، وهو الذي يربطنا بمصيرنا المشترك.
ولذلك، فإن الدعوة إلى الوحدة ليست مجرد شعار سياسي، بل هي ضرورة وجودية. فالسودان بكل تنوعه وثرائه، سيبقى واحداً موحداً رغم كل التحديات، لأن قوة الانتماء إلى الأرض والماء أقوى من أي محاولة للتفكك.
إن الحفاظ على وحدتنا هو احترام لقدسية الحياة التي يمثلها الماء، وتكريم لتاريخ أجدادنا الذين سقوا هذه الأرض بدمائهم وعجنوا ترابها بعرقهم. فلتكن وحدتنا رداً على كل من يشكك في قدرة هذا الشعب على الصمود والبقاء.














