
كتاب شرارة سياحة في الأدب و السياسة . . الجغرافيا و التاريخ
إعداد / الصادق عبد الشافع زايد
يقول المثل ” النار من مستصغر الشرر ” من هذا المنطلق و من منطلق كل الأشياء التي تبدأ صغيرة ثم تكُبر و تكُبر يخرج لنا كتاب ” شرارة ” من بين بساطة الوجوه التي لطالما حلمت يوماً بالسلام فاتحاً البوابة الواسعة لمفاهيم الحرية و الدولة و الحقوق و الواجبات و العدالة و القضية و المساواة و إعادة تعريف كل هذه المفاهيم من جديد بعقلية شبابية تستند على المعرفة مع التأكيد التام بقدرة الشباب من الأجيال الواعدة على صنع القرار و المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية و الإجتماعية و رسم خطوط عريضة للمستقبل الذي يشبه أحلام و تطلعات الشباب ، و بوعي كبير جداً و بأسلوب مُغاير رفض الكتاب فكرة التكريس و حارب كل المفاهيم الكلاسيكية الجامدة لمعنى الحرية و حارب أيضاً الأيدلوجيا المتطرفة التي تعيق الفرد و الجماعة دون الإستناد على أي مبررات حقيقية و حُجج موضوعية و علمية مقنعة و يؤكد أيضاً من باب المبدأ و القيمة أن لكل جيل المقدرة على التعبير عن نفسه ، عن رسم أحلامه و تطلعاته و رفض كل ما لا يشبهه و لا يحقق مصالحه و أن لكل فرد صوته الخاص و رأيه بعيداً عن المُتهتّك من الأفكار و المفاهيم السياسية و العسكرية و الإجتماعية تلك الجامدة من الأفكار الرثة التي لا تخدم الحاضر في شيء بل تعيق من تطور البلاد و تقدمه في عصر نستيقظ فيه كل صباح و أمامنا إبتكار جديد و فكرة جديدة ، لأن جيل الشباب هو الجيل الحامل لمشاعل النور للغد الآتي يعرج عبد الحليم عبد الله أبكر في كتابه ” شرارة ” للحديث عن الدور الكبير الذي يقوم به الشباب من عمل جماعي و جهد بدني و مد أبيستمولوجي و فكري لترك الأثر الإيجابي في الحياة الإنسانية و التأثير المباشر في قضايا المجتمع المحلية و العالمية في كافة الأصعدة و إيجاد الطرق الواعية و الحكيمة لحل هذه الإشكالات التي في الغالب يكون جذورها بعيدة و عميقة ، الأمر الذي يتطلب عقلية جديدة و واعية و مدركة لأهمية الأمر و ذلك من خلال الإستفادة من التجارب الفاشلة للسابقين و عدم تكرار الأخطاء التي ما تزال آثارها إلى اليوم و تعيق حركة الناس و المجتمع و ذلك بالتوغل أكثر في هذه القضايا بشكل موضوعي و الإبتعاد عن الذاتية و الدخول المباشر في الحراك العام و محاولة إحداث ثورة فكرية و ثقافية و عسكرية ، كما أفرد الكتاب المساحة للحديث عن ثورات العالم ، تلك الثورات التي جاءت بالتغيير لشعوبها و حققت أحلامهم ، أولئك الملهمون و النضاليون الذي صاغوا التاريخ في العالم و أحدثوا التغيير من لدن تشي جيفارا و فيدل كاسترو مروراً بالمهاتما غاندي و نيلسون مانديلا ، باتريس لومامبا و كوامي نكروما و توماس سنكارا ، كما طرح الكتاب بعض الأسئلة ذات الدلالة البعيدة و العميقة رغم بساطة السؤال في ظاهره ، مثلاً السؤال الذي جاء في الصفحة 50 من الكتاب و الذي يقول : ( لماذا أنت لاجئ و لك وطن ؟ ) هذه يعني أننا نملك وطن و لكن لا يعني أننا نملك ذاكرة للوطن ، أما إذا عسكنا السؤال و قلنا : ( لماذا لك وطن وأنت لاجئ ؟ ) هذا يعني تصريحاً بأننا نملك ذاكرة للوطن ، أي أننا لا نعيش فيه و لكنه هو _ الوطن _ يعيش فينا ، نعيش تفاصيله و يأخذنا الحنين إليه و إلى أهله و إلى الأمكنة و الأشياء هناك و لكن مع ذلك يبقى هذا السؤال ينبع من فكرة عميقة عن اللجوء و رفض الحرب بشكل صريح و مباشر .. جاء هذا الكتاب في 296 صفحة و في خمسة أبواب ، ففي الأبواب الأولى من الكتاب جاءت مفاهيم التغيير التي دائماً تكون للأفضل في رسم المشروعات الحضارية للمجتمعات و أيضاً مسائل الإرادة ، الوحدة ، المرجعية ، يقظة الضمير و الآفاق الجديدة و أيضاً فتح الكتاب النافذة لرؤية كم هو مخزي و حزين فكرة تكميم أفواه الشعراء و الفنانين الذين في الغالب يقفون مع المنسيين و بُسطاء الشعب و ينادون بالتغيير و يمجدّون الثورات و أيضاً حوى الكتاب مجموعة رسائل ذات دلالات بعيدة المدى و مضامين صادقة ، الحنين إلى الوطن و التشظي و النداء و النوستالوجيا ، مثلاً في رسالة من المنطقة إلى أمي الحبيبة يقول ( لولا أمي كنتُ لا أكافح و لا أقرأ ) و في رسالة إلى الفنان عبد الماجد كوربيا يقول : ( أخي عبد الماجد كوربيا كسرت كل القيود و المخاوف منذ أن إنفجرت روحك في فضاء الموسيقى فوجدت نفسك لا تطيق الحياة لكثير من الناس لولا الشجعان الذين يلهمونهم و يبثون الأمل في أرواحهم الشجاعة التي تطلب الوقوف في الجبهة هب نفس الشجاعة في المقدار لتكون نفسك على حقيقتها ) و في رسالة من إستراحة المحارب إلى صديقي يقول ( دُلني على كتاب لم أقرأه من قبل ) و في رسالة إلى المناضلة إيثار خليل إبراهيم يقول ( كان التحدي بالنسبة لي لكي أنسى كل شيء هناك )
بين دفتي كتاب ” شرارة ” يأخذنا الكاتب عبد الحليم عبد الله أبكر في رحلة جديدة بمجموعة من المقالات السياسية و العسكرية و الإجتماعية و الثقافية أو تلك الكتابات التي جاءت كخواطر و نصوص و بعض الرسائل و المذكرات الشخصية ، يمكنني القول أن كتاب شرارة كما لو أنه سفر طويلة عبر القارب ، رحلة شاقة و ممتعة ، شاقة لما فيها من صعاب و تحديات كبيرة نشأت بحكم التجربة و ممتعة لما فيها من ذوق رفيع و أدب سامي ، رحلة إمتزج فيها الأدب بالسياسة و التاريخ و الفلسفة و الفكر و العلوم العسكرية ، رحلة أستطيع أن أصفها بالشجاعة لأنها إستطاعت أن تغوص في أعماق المعرفة بثقة و ثبات ، الأجمل من كل هذا لم يتناول في الكتاب كل هذه القضايا و الإشكالات السياسية و العسكرية و الإقتصادية و الإجتماعية من حيث بُعدها التاريخي أو الجغرافي ، أي بمعنى أن الكتاب لا يستدعي أبداً التاريخ أو الجغرافيا كشاهدين على المواقف و الأحداث بل جاء كرفض صريح و مباشر لكل أشكال الظلم عن طريق التداعي الحُر للأفكار و ترك مساحة شاسعة للتأمل و التأويل .