مقالات الرأي

علي جاد الله يكتب: التحولات في الحرب: بين استخدام الأسلحة الكيميائية ومعارك كردفان

التحولات في الحرب: بين استخدام الأسلحة الكيميائية ومعارك كردفان 

 

تُعدّ التحولات العسكرية والسياسية التي تشهدها السودان مؤشرًا واضحًا على تعقيدات الصراع الدائر بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). شهدت الفترة الأخيرة تطورات ميدانية وسياسية حاسمة، خاصة في منطقة كردفان، التي أصبحت مسرحًا رئيسيًا للصراع بعد انسحاب الدعم السريع من مناطق أخرى مثل سنار، الجزيرة، والخرطوم. في هذا المقال، نستعرض دلالات سيطرة الدعم السريع على خمس مناطق رئيسية في كردفان (جنوب الأبيض، الدبيبات، الحمادي، كاسجيل، والخوي)، وأهم المتغيرات العسكرية، وتداعيات هذه التطورات على مستقبل الصراع، بما في ذلك احتمال إعلان حكومة التأسيس.

 

 

دلالات سيطرة الدعم السريع على خمس مناطق دفعة واحدة

 

سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق جنوب الأبيض، الدبيبات، الحمادي، كاسجيل، والخوي في عملية عسكرية خاطفة تحمل دلالات استراتيجية وسياسية عميقة. هذه المناطق، التي تُعتبر موطنًا لقبائل الحوازمة الموالية تاريخيًا للدعم السريع، تُشكل مركزًا حيويًا للنشاط الاقتصادي والاجتماعي في كردفان، خاصة منطقة الخوي التي تُعدّ بوابة شمال وغرب كردفان وموردًا رئيسيًا لتجارة المواشي (الطأن والإبل). السيطرة على هذه المناطق ليست مجرد إنجاز عسكري، بل خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز نفوذ الدعم السريع وإعادة ترتيب أوراق الصراع. يمكن تلخيص أهم الأسباب والدلالات لهذه العملية في النقاط التالية:

 

1. تعظيم نطاق المؤيدين:

كانت هذه المناطق تحت سيطرة الدعم السريع خلال حصارها السابق لمدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان. استعادة هذه المناطق ليست فقط عملية عسكرية، بل محاولة لإعادة بناء قاعدة شعبية قوية. فالمجتمعات المحلية، وخاصة قبائل الحوازمة، تُشكل دعامة أساسية للدعم السريع من الناحية الاجتماعية واللوجستية. استعادة هذه المناطق تُعزز من ولاء هذه القبائل وتُوسع نطاق تأييدها، مما يمنح الدعم السريع ميزة سياسية وعسكرية في الصراع.

 

2. حماية القيادات والمواطنين:

تضم هذه المناطق قيادات بارزة وجنودًا ينتمون إلى الدعم السريع، بالإضافة إلى مواطنين يعتمدون على حماية هذه القوات. السيطرة على هذه المناطق تُعدّ استجابة مباشرة للحاجة إلى حماية هذه القواعد البشرية، خاصة في ظل تصاعد الهجمات من قبل القوات المسلحة والميليشيات الموالية لها. يرى الدعم السريع في هذه العملية واجبًا لحماية أنصاره، مما يعزز من شرعيته بين هذه المجتمعات.

 

3. إحكام السيطرة على كردفان ودارفور:

تُعتبر هذه العملية جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز سيطرة الدعم السريع على مناطق كردفان ودارفور، التي تُعدّ معاقل تاريخية له. استعادة هذه المناطق تُمكّن الدعم السريع من السيطرة على خطوط الإمداد والموارد الاقتصادية، مثل تجارة المواشي، التي تُعدّ مصدرًا حيويًا للتمويل. كما أن السيطرة على هذه المناطق تُعزز من قدرة الدعم السريع على المناورة العسكرية، خاصة من خلال “متحرك الصياد”، وهو تشكيل عسكري تم تجهيزه خصيصًا لشن هجمات في كردفان ودارفور.

 

4. تغيير ميدان المعركة:

بعد انسحاب الدعم السريع من مناطق رئيسية مثل سنار، الجزيرة، والخرطوم، بسبب عوامل عسكرية جديدة، أبرزها استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل القوات المسلحة، اضطر الدعم السريع إلى إعادة تقييم استراتيجيته. اختيار كردفان كميدان معركة جديد يعكس محاولة للاستفادة من التضاريس المفتوحة والدعم الشعبي القوي في المنطقة. هذا التحول يُظهر مرونة الدعم السريع في التكيف مع المتغيرات العسكرية والبحث عن ميدان يمنحه أفضلية تكتيكية.

 

أهم المتغيرات العسكرية في سير المعارك في كردفان

 

تشهد منطقة كردفان تحولات عسكرية كبيرة، جعلتها مركزًا للصراع بعد تراجع الدعم السريع من مناطق أخرى. هذه المتغيرات يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

 

1. تحول المواجهة إلى حرب برية مفتوحة:

بعد تدمير الطائرات في مستودعات الوقود وانسحاب الدعم السريع من الخرطوم، أصبحت المواجهة البرية في المناطق المفتوحة هي الخيار الأساسي للطرفين. القوات المسلحة بقيادة البرهان حشدت قوات المشاة، بما في ذلك الكتائب الموالية والحركات المسلحة المتحالفة معها، في كردفان. في المقابل، استعد الدعم السريع من خلال تجهيز “متحركات” عسكرية تمكنت من السيطرة على مواقع استراتيجية حول الأبيض في ساعات معدودة.

 

2. حصار الأبيض الاستراتيجي:

تمكنت قوات الدعم السريع من فرض حصار على مدينة الأبيض من ثلاثة اتجاهات (الشمال، الجنوب، والغرب)، مع بقاء منطقة الرهد كالنقطة الوحيدة المفتوحة. هذا الحصار يضع القوات المسلحة في موقف دفاعي صعب، حيث تعتمد الأبيض على موقعها الاستراتيجي كمركز إداري واقتصادي في شمال كردفان. إذا نجح الدعم السريع في السيطرة على الرهد، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار الدفاعات العسكرية في الأبيض، مما يُعزز من هيمنة الدعم السريع على المنطقة.

 

3. استخدام الأسلحة الكيميائية وتداعياته:

إدخال الأسلحة الكيميائية في المعركة من قبل القوات المسلحة غيّر ديناميكيات الصراع. هذا العامل دفع الدعم السريع إلى تغيير استراتيجيته والتركيز على مناطق بعيدة عن تأثير هذه الأسلحة، مثل كردفان. استخدام الأسلحة الكيميائية، المحرمة دوليًا، أثار انتقادات واسعة وأضعف شرعية حكومة البرهان، مما فتح الباب أمام دعوات لإقامة حكومة بديلة.

 

4. حشد القوات والاستنفار المدني:

أعلن الدعم السريع والإدارات المدنية التابعة له حالة الاستنفار في عدة ولايات، مما يعكس تصعيدًا في المواجهة. هذا الاستنفار يهدف إلى تعبئة الموارد البشرية واللوجستية لدعم العمليات العسكرية. في المقابل، تعتمد القوات المسلحة على تحالفات مع حركات مسلحة وميليشيات قبلية، مما يُعقد المشهد العسكري ويُزيد من احتمالات التصعيد.

 

مستقبل حكومة التأسيس

 

تتجه الأنظار نحو احتمال إعلان حكومة التأسيس كنتيجة مباشرة للتطورات العسكرية والسياسية في السودان. هذه الحكومة، التي يدعمها الدعم السريع وبعض القوى المدنية، تكتسب زخمًا في ظل عدة عوامل:

 

1. عزل حكومة بورسودان:

استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل حكومة البرهان في بورسودان أدى إلى عزلها دوليًا، خاصة بعد الإدانات المتكررة من المنظمات الدولية. تدمير المطارات وخروج الموانئ من الملاحة الدولية أضعف قدرة الحكومة على إدارة البلاد، مما جعل فكرة حكومة التأسيس بديلاً جذابًا.

 

2. الخلافات داخل تحالف البرهان:

يعاني تحالف البرهان من انقسامات داخلية بين القوات المسلحة، الحركات المسلحة، والميليشيات القبلية. هذه الخلافات تُضعف جبهتهم وتُعزز من فرص إعلان حكومة التأسيس، خاصة مع وجود دعم شعبي متزايد.

 

3. الدعم الشعبي لحكومة التأسيس:

شهدت عدة مدن مظاهرات ومواكب تدعو إلى إقامة حكومة التأسيس، وهي تعبير عن إحباط المواطنين من انهيار الخدمات الأساسية (مثل الكهرباء، المياه، والصحة) على مدى عامين. هذا الدعم الشعبي يمنح حكومة التأسيس شرعية اجتماعية، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع.

 

4.التحديات المستقبلية:

على الرغم من الزخم الذي تكتسبه فكرة حكومة التأسيس، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة، منها بناء إدارة فعالة في ظل الحرب، وكسب الشرعية الدولية، ومواجهة التحديات الاقتصادية والإنسانية الناتجة عن الصراع. كما أن استمرار الدعم السريع في تحقيق مكاسب عسكرية سيكون حاسمًا في فرض هذه الحكومة كبديل فعلي.

 

ختاما،

يشهد السودان مرحلة حاسمة في صراعها الداخلي، حيث تُعدّ سيطرة الدعم السريع على خمس مناطق في كردفان خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز النفوذ العسكري والسياسي. هذه العملية ليست مجرد انتصار ميداني، بل جزء من استراتيجية أوسع لإعادة ترتيب المشهد السياسي والعسكري في البلاد. في ظل استخدام الأسلحة الكيميائية، وتدهور الأوضاع الإنسانية، وتصاعد الدعم الشعبي لحكومة التأسيس، يبدو أن السودان على أعتاب تحولات كبرى. إن نجاح الدعم السريع في استكمال حصار الأبيض والسيطرة على الرهد قد يُعجل بإعلان حكومة التأسيس، مما سيُعيد تشكيل خارطة الصراع السياسي والعسكري في البلاد. ومع ذلك، تبقى التحديات الإنسانية والاقتصادية والسياسية قائمة، مما يتطلب حلولاً شاملة لتحقيق الاستقرار والسلام في السودان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى