
طالعنا مؤخرًا بيانًا من جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر، أعلنوا فيه – بعد عقود من التسلّط والضياع – توبتهم عن ما اقترفه تنظيمهم من ظلم لأنفسهم وللشعب المصري، وأفصحوا عن نيتهم ترك السياسة والانكفاء إلى العمل الدعوي. وبما أن فرع “الإخوان المسلمين” في السودان ليس إلا امتدادًا لتلك المنظومة، فمن باب أولى، بل من مقتضى المنطق والعدل، أن يحذوا حذوهم ويعلنوا توبة نصوحًا عمّا ارتكبوه من عبث سياسي، وتلاعب بمصير البلاد والعباد.
لقد آن لجماعة “الإخوان المسلمين” في السودان – أو ما يعرفهم الشعب عن حق بـ”الكيزان” – أن يصمتوا قليلاً، ليُصغوا لصوت الضمير، ويقفوا وقفة صدق مع أنفسهم، محاسبين إياها على عقود من الخطيئة الوطنية والدينية. أنتم الذين خنتم أمانة الدين، وخذلتم ثقة الشعب، وأثقلتم ظهر هذا الوطن بالجراح، وأفسدتم مؤسساته، وأهلكتم أجياله، وسمّمتم وعيه باسم شعارات زائفة ادّعت نصرة الإسلام وهي تُدميه.
واجهوا الحقيقة التي طالما تهربتم منها: لقد آذيتم هذا الشعب، وخنتم الإسلام، وضللتم مناصريكم الذين أملوا فيكم خيرًا. كنتم تدّعون الورع والقيادة باسم الله، فإذا بكم أول من داست قدماه على تعاليمه، من أجل سلطة فانية، ومنافع دنيوية رخيصة.
إن ما اقترفتموه من آثام لا يقتصر على خصومكم الذين نكّلتم بهم ظلمًا، بل شمل أبناء جماعتكم أنفسهم الذين استخدمتموهم ثم لفظتموهم. توبوا إلى الله، واعتذروا للشعب، فالله يعلم ما تُخفون، والشعب لا ينسى، والتاريخ لا يرحم.
لا تتعالوا على كلمة “أخطأنا”، فهي – والله – أشرف لكم من أن تموتوا وأنتم مغموسون في الغرور والزيف. عودوا إلى رشدكم، فقد استخدمتم الدين مطيّة للبطش، لا وسيلة للهداية، وجعلتم الإسلام لافتة زينة تتستر على فسادكم، لا مشروعًا أخلاقيًا وسياسيًا حقيقيًا.
من أنتم لتتحدثوا عن الأخلاق، وقد أقمتُم بيوت الأشباح، وعذبتم واغتلتم المعارضين، وصادرتم أرزاق الناس، وسرقتم خيرات الوطن، وصرتم تُوزّعون صكوك الكفر والإيمان؟ من أنتم لتكفّروا خصومكم لمجرد أنهم قالوا “لا” لطغيانكم؟!
إن التوبة لا تكون بخطب رنانة أو بيانات علاقات عامة، بل باعتراف صادق بالذنب، ومواقف شجاعة تعترف بالأخطاء، وتطلب العفو من الضحايا، وتعوّض المظلومين، وتكفّ أذاها عن الوطن.
أما إعلاميوكم الذين باعوا أقلامهم في سوق النفاق والتبرير، فعارهم مضاعف. كنا نظن ببعضهم خيرًا، فإذا بهم شركاء في الجريمة، يجمّلون البشاعة، ويبرّرون القمع، ويقلبون الحق باطلًا. أمثال خالد التيجاني، وغيرهم ممن تزيّنوا بلباس “الحياد”، وهم في حقيقة الأمر ألسنة للزيف والتضليل – فهؤلاء لا عذر لهم أمام الله ولا أمام الناس.
لقد قالها الشعب فيكم: “إخوان الشيطان”، ولربما كان الشيطان أصدق منكم إذ قال لله: “أنظرني إلى يوم يبعثون”، أما أنتم، فلا تؤمنون بيوم الحساب أصلاً، ولو آمنتم لما ارتكبتم ما ارتكبتم. أنتم عنوان للضلال، وإن لم تتوبوا توبة خالصة، فأنتم على موعد مع يوم لا تنفع فيه تبريرات ولا أقنعة، ولا تغني فيه شعارات الدين التي دنّستم قدسيتها.
وختامًا، نقولها بصدق لا حقدًا: توبوا… توبوا قبل أن يأتي يوم لا مردّ له من الله. توبوا كما تاب إخوانكم في مصر، ولتكن توبتكم أكثر صدقًا، وأقل نفاقًا. تذكّروا كلمات الشهيد الأستاذ محمود محمد طه حين قال عنكم: “إنهم يفوقون سوء الظن العريض”. وهل بعد هذا الوصف من وصف؟!