مقالات الرأي

حسن عبدالرضي يكتب: حتى الحصاحيصا: الانتهاكات الممنهجة والانحدار الأخلاقي باسم الأمن

سودان ستار

حتى الحصاحيصا: الانتهاكات الممنهجة والانحدار الأخلاقي باسم الأمن

 

ما يجري اليوم في محلية الحصاحيصا بولاية الجزيرة لا يمكن وصفه إلا بكلمة واحدة: مهزلة. مهزلة أخلاقية، قانونية، وإنسانية. فما يحدث هناك من انتهاكات على يد الجيش والقوات المساندة له لا يختلف في جوهره عما عايشته مناطق أخرى في ولاية الجزيرة، بل هو امتداد لنفس السياسات القمعية والانتهاكات الممنهجة، التي تمارس تحت غطاء “محاربة الشفشفة والتعاون مع العدو”.

 

في مشهد يتكرر يوميًا، تهجم القوات على الكنابي بحجة أن سكانها “شفشافة” أو “متعاونين”، فتنهب المنازل وتحمّل دفاراتها بأغراض المواطنين: ثلاجات، مكيفات، شاشات، وحتى الأواني والمراتب. ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل تمتد هذه الحملات لتجوب الوحدات الإدارية السبع للمحلية، بحثًا عما يُزعم أنه “مسروقات”. ولكن أين تذهب هذه الممتلكات؟

 

للأسف، بدلًا من حجزها بشكل قانوني أو الإعلان عنها ليتعرف عليها أصحابها، تُعرض في سوق الحصاحيصا على الملأ! من يريد ثلاجة؟ من يبحث عن شاشة؟ فقط عليك الاتصال بعسكري تعرفه، وستحصل على ما تريد بالسعر الذي تختاره. تجارة علنية في المسروقات أمام أعين المواطنين.

 

بعد أن استُنزفت الكنابي، توجهت هذه الحملات إلى المدينة نفسها. البداية كانت من كمبو المحالج، ثم امتدت إلى أحياء العمدة والإمتداد. ومن هنا، اتضح للجميع أن القضية لم تكن فقط استهدافًا مناطقيًا أو عنصريًا كما في البداية، بل تحوّلت إلى آلة شفشفة بلا حدود.

 

ما يزيد من مرارة الواقع أن المواطنين يعلمون جيدًا أن لا فرق بين “فترة الجيش” و”فترة الدعم السريع”؛ كلاهما سيان في نظر الناس، حيث لا أمن، لا قانون، ولا أدنى احترام لكرامة الإنسان. إنها نفس السياسات، نفس الانتهاكات، ونفس النهب المُقنن تحت ذرائع واهية.

 

الناس ترى أغراضها في السوق، ولكن من يجرؤ على الاعتراض؟ الاعتقالات جاهزة، والتهم المُلفقة معدّة سلفًا، من التعاون مع العدو إلى الشفشفة. والنتيجة؟ حالة من الصمت المفروض والخوف المتصاعد في مجتمع منكوب.

 

حتى أولئك الذين عادوا من النزوح بعد أن ظنوا أن الحال قد هدأ، يعضّون الآن أصابع الندم. فهم يعيشون بين نارين: لا قدرة على الرجوع، ولا إمكانية للاستقرار في جحيم الانتهاكات والابتزاز.

 

أخطر ما في هذا الواقع ليس فقط السلب والنهب، بل أن من يُفترض به حماية المواطن وبيته أصبح لصًا وتاجر أزمات. فقد سقطت الأقنعة، وتعرّت النوايا، ولم يعد هناك فرق بين السلاح النظامي والعصابات.

 

هذا هو حال كرامة المواطن في ظل حرب “الكرامة” المزعومة. وهذا العبث لا بد أن يتوقف.

إن صمتنا اليوم يعني شرعنة ما يحدث، ويعني أن دورك سيكون غدًا، سواء كنت من الكنابي، من الأحياء، أو من أي مكان آخر.

 

هذه المعركة ليست معركة جيش ودعم سريع فقط، بل هي معركة إرادة شعب.

والحل لا يأتي إلا من إرادة الحركة الجماهيرية التي تعرف جيدًا أن: الإقتلاع

إرادة. والحركة الجماهيرية هي الحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى