إصدارات وكُتاب

د. اسراء الريس: “إنويت” — حكاية الذات في فضاء التيه

سودان ستار

 

 

“إنويت” ليست رواية عن الغربة، ولا عن الوطن، ولا حتى عن الهجرة كما قد توحي المدن التي تحتضن أحداثها (الخرطوم ونيويورك). بل هي رواية عن الفراغ — ذاك الفراغ الوجودي الذي يبتلع الإنسان من الداخل، ويحيله إلى سؤال معلّق على حواف اللغة والذاكرة.

 

تدور القصة حول شخصية تُدعى إسماعيل، أو بالأحرى إسماعيلَين. كأننا أمام مرآة لا تعكس صورة، بل تفتح بوابة نحو الداخل. الانقسام ليس فقط نفسيًا، بل سرديًا أيضًا؛ فالرواية تلعب على حافة التعدد والتشظي، لا تقدم إجابات بل تسأل، وتترك السؤال معلقًا في الهواء.

 

السرد متوتر، شاعري، ومفتوح على احتمالات المعنى. لا شيء مباشر أو واضح، تمامًا كما هي الحياة حين نراها من خلال وعي مثقل بالتجربة، بالحساسية، وباللغة التي ترفض أن تكون أداة للشرح، وتُصرّ على أن تكون كيانًا قائمًا بحد ذاته.

 

في “إنويت”، الكتابة ليست وسيلة للهروب من الواقع، بل أداة للغوص فيه حتى التلاشي. الرواية تكتب الذات وتفتتها، تكشف الذاكرة وتعرّيها من وهم الزمن. هي ليست عن الماضي، بل عن حضوره الدائم في الجسد واللغة والمكان.

 

من الناحية الشكلية، النص مغامر. هناك طمس للحدود بين الواقع والحلم، بين المتكلّم والمتذكّر، وبين الكاتب والنص. لا تسلسل زمني صارم، بل تدفق حر لوعيٍ لا يبحث عن الحبكة بقدر ما يسعى إلى الاعتراف.

 

رواية “إنويت”. لا تقدم لك عالماً لتدخله، بل تجعلك تتساءل عن مكانك فيه. هي رواية لمن يريد أن يتأمل، لا من يبحث عن الترفيه. رواية لمن يؤمن أن الكتابة هي شكل من أشكال المقاومة ضد التبسيط، ضد السطح، ضد النسيان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى