
كل يوم نخدع أنفسنا بأن الحرب قاربت على نهايتها، لكنها تقول لنا: ما زلت موجودة في سودانكم، وإن لم أقتلكم بالرصاص، فمسيراتي تضرب منشآتكم الحيوية، وأهمها كهرباؤكم، فتعيشون كالأموات بلا كهرباء ولا ماء، وتموت زراعتكم وحدائقكم، ويغرق ليلكم في ظلام دامس.
سألتُ أحد المختصين ببواطن الأمور: متى تنتهي هذه الحرب الملعونة؟
فقال لي:
إما أن ينتصر طرف على الآخر بتحقيق أهدافه العسكرية والسياسية، أو تنتهي الحرب بالوصول إلى اتفاق تربح فيه جميع الأطراف عبر المفاوضات الأمنية والسياسية، ابتداءً بالاعتراف المتبادل وانتهاءً بتقاسم السلطة والثروة.
فقاطعته بسؤال: ولكن مع من تتقاسم السلطة؟
فصمت برهة، وتنهد مرتين، وغير الموضوع.
فهمت من صمته أنه لا يريد الرد على سؤالي.
لكنه في نهاية المكالمة قال لي:
سوف تستمر حرب الاستنزاف بين الأطراف، وأثناء ذلك سيسعى كل طرف إلى إيجاد وسائل ضغط وقوة يتفوق بها على الآخر حتى يحقق أهدافه، والدليل المسيرات المستمرة في مروي والدبة وعطبرة، وبالأمس في أم درمان.
الحق يقال:
هذه الميليشيا التي صُنعت بفعل فاعل، ارتكبت جرائم في إزهاق أرواح الناس، ونهب ممتلكاتهم، وتدمير أموالهم وبيوتهم ومصانعهم ومحاصيلهم، وانتهاك شرف نسائهم، وتحطيم البنية التحتية لمؤسسات الدولة والقطاعين العام والخاص.
سؤالي الذي لم أجد له إجابة حتى الآن:
من هو الطرف المؤهل والأقدر على تحمل هذه الفاتورة الثقيلة التي ظل يدفعها السودانيون؟
وهل ستنتهي الحرب وننتقل كما انتقلت رواندا من حمّى العنف القبلي والدماء والقتل إلى مسار المصالحة والوحدة والتنمية؟
لقد اقتلع رئيس رواندا الفقر من بلاده، ووحّد شعبه الذي قسمته المذبحة.
فهل سنعطي العالم مثالًا آخر على إمكانية النهوض بعد السقوط؟
وهل سنتعلم كما تعلمت رواندا: أن النهوض لا يتمّ عبر تجاهل الماضي، بل بالاستفادة من أخطائه؟
لقد حوّلت رواندا جراحها إلى منارات تضيء مستقبلها. ولضمان هذا المستقبل، نفّذت آليات مختلفة بعناية وشجاعة، عالجت طبيعة الأمة الرواندية التاريخية والاجتماعية والاقتصادية. ومن الجدير أن تُدرَس هذه التجربة بعناية وعمق أكبر.
نتمنى نهاية قريبة للحرب، وأن يعم السلام والوئام في السودان، وأن نكرر تجربة رواندا.
ختامًا:
علمتني الحياة ألا أيأس كثيرًا عندما أفقد شيئًا جميلاً؛
فأحيانًا يجب أن يرحل الجميل ليأتي الأجمل.