
عمل سردي شجاع ومؤلم، يحفر في ذاكرة أمة مكبلة بالخوف، محكومة بقبضة حديدية اسمها “التنظيم”، ويمضي في تفكيك أثر القهر السياسي على الفرد والمجتمع.
الرواية تأخذ شكل شهادة طويلة مطعّمة بالحكي المتداخل والاعترافات المؤجلة. الشخصية المركزية، “يحيى”، صحفي سابق ومهرج حالي، يتحول إلى بؤرة تشظي، يروي قصته التي تتقاطع مع قصص آلاف “أولاد الخونة” في بلاد السين، حيث الجريمة موروثة والخذلان مؤسسي. عبر حواراته مع الراوي – كاتب يبحث عن إجابة وعن ماضي والده – تتكشف الطبقات المسكوت عنها من قهر الدولة، وصمت المجتمع، وارتباك الأجيال.
الكاتب يشتغل على مفهوم “الزمن السياسي” كزمن مُقفل لا يتحرك، حيث المأساة لا تنتهي بل تعيد إنتاج نفسها بأشكال أكثر ابتذالاً وعبثية. من معتقل “مات” إلى مهرجانات “سباق الحمير” و”الشعر الرديء”، يخلق المؤلف عالماً سوريالياً، بقدر ما هو طريف، هو مرعب أيضاً، ينضح بسخرية سوداء جارحة لكنها ضرورية، لتعرية القبح وفضح العبث.
اللغة مرنة، موحية، مليئة بالطبقات، تجمع بين الخطاب الصحفي، والتسجيل الوثائقي، والتأمل الفلسفي، والسرد الساخر. الشخصيات ليست مجرد أدوات سرد، بل كائنات مشروخة، يتحدث كل منها من عمق جرحه الخاص: منتصر، حسن المعلم، السائس حميدة، ونجوى. كلهم شظايا مأساة كبرى، وكلهم شهداء متأخرين لحرب لم يُعلن عنها يوماً، لكنها تُخاض كل يوم، في الزنازين والمكاتب والمهرجانات.
الرواية تطرح أسئلة ثقيلة عن الهوية، والذاكرة، والسلطة، والخيانة، لكنها لا تزعم امتلاك إجابة. هي عمل أدبي ملتزم، لكنه لا يقع في فخ المباشرة أو الشعارات، بل يقدّم سرداً إنسانياً معقّداً، حيث السياسة شخصية، والخوف يومي، والحقيقة مسألة حياة أو موت.
، “في مواجهة زمن لا يمضي” شهادة، ومرافعة طويلة في وجه النسيان، وصرخة مكتومة من أجل أن نتذكر، لا كي نحاكم الماضي، بل حتى لا نعيد ارتكابه.