منوعات

عمر ترتوري يكتب: ما ينافس الإبداع إلا الإبداع.

سودان ستار

أغنية بعد الصبر والفنان عثمان حسين

 

ما ينافس الإبداع إلا الإبداع.

منذ الصغر، عندما كنا في المراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة، كانت تستهوينا الحِكم التي تُكتب على جدران أسوار المنازل بالفحم تارةً، وتارةً ببواقي الطباشير التي كنا نجدها في حوش المدرسة. ومن تلك الحِكم التي غرست في أذهاننا:

“إذا كان حُبي للجمال جريمة فليشهد التاريخ أني مجرم.”

وهذه المقدمة لها من بعدها…

 

دون شك، الإبداع جمال، لذا أُحب الإبداع الذي لا ينافسه إلا الإبداع.

 

جلست تحت النيمة، وأنا ما زلت في شمالنا الحبيب، قرية الصفا بالقرير.

انتصف النهار، والشمس حارة، والكهرباء مقطوعة كالعادة بفعل مسيرات الجنحويد.

وأنا أتصفح تلفوني، وأتحاوم هنا وهناك عبر الميديا: واتساب، فيسبوك، ماسنجر، تيك توك، ومواقع إخبارية، فوصلتني رسالة من الصديق الأديب، عاشق الهلال وأمينه العام، البروف: حسن علي عيسى.

 

تقول الرسالة:

“رحم الله نهر السودان الخالد عثمان حسين. أداء مذهل من الفنان مجذوب أونسة لأهزوجة (بعد الصبر).”

ولم يكتفِ، بل أرسل لي الأغنية بأكملها، وبالفعل أجادها مجذوب أونسة.

 

أبحرت وتمعنت في الكلمات والصوت الشجي، وتذكرت الفنان عثمان حسين وروائعه من الأغاني التي لا تُنسى، بل لا زالت خالدة تحتفظ بقوتها وجمالها عبر الأجيال.

 

تمعنت في الأغنية، وهي من كلمات حسين بازرعة:

ليه تقول أيامنا راحت وانتهينا

يا حبيبي، ولا كانت ديك سحابة

لو حصل في العمر مرة وافترقنا

هي غلطة، ونحن نتحمل عذابا

إنت عايش.. كل أيامك محنة

وأنا بحرق كل عمري في الصبابة

يا حبيبي.. ليه حياتنا ما تبقى جنة

 

والله إنني بكيت بدموعي، والحمد لله جالس لوحدي، ولم يرني أحد.

حيث تذكرت أسرتي وهم بعيدون في قاهرة المعز، حيث فرّقتنا هذه الحرب الملعونة، وتذكرت ابنتي “أفراح” وهي مريضة هناك، وأنا لوحدي أتعذب هنا.

 

وبهذه الكيفية، اتصلت بالصديق، حبيب الكل، السفير د. عبد المحمود، وسألته عن التأشيرة لمصر: هل جهزتها لي؟ لأنني لا أستطيع التحمل، وأنا لا أحب السفر لمصر، ولكنني فقط أريد أن أرى ابنتي لمدة أسبوع فقط، وأرجع لشمال السودان، وبالتحديد للقرير الصفا، ومنها أسافر خارج الوطن، وربما سفرة نهائية بسبب هذه الأوضاع المأساوية، والحرب الملعونة التي دمرت بلادنا.

 

بكيت بأعلى صوتي، عندما سمعت مجذوب أونسة وهو يردد:

لست أدري هل عذابي أم عذابك كان أكثر

لست أدري

وحين شق الدهر بينا، والفراق المر أجبر

لست أدري !!

 

وبكيت أكثر، عندما رأيت الحضور لهذا الاحتفال، فنانى المفضل عبد الكريم الكابلي، ورأيت صديقي الأستاذ أمير التلب، مدير عام مسرح الجزيرة السابق، وهما رحلا للأبد عن دنيانا، وعن دنيا الحرب والنزوح واللجوء.

 

الشكر كل الشكر للحبيب الأديب: البروف حسن علي عيسى، لهذه الهدية الشحمانة، والذي جعلني أطوف في إبداعات عثمان حسين، بأحلى الروائع وأعذب الألحان والكلمات التي تلامس الوجدان.

مهما تقدم الزمن، تبقى هي بنفس الروح، لا نمل سماعها ولا نبدل إيقاعها، وهي الأغنية الخالدة: أغنية بعد الصبر.

 

فكانت بعد الصبر، التي قام بالاداء  الفنان مجذوب أونسة في الذكرى الأولى لرحيل القامة الفنية الكبرى عثمان حسين، منتهى الإبداع.

وذلك من خلال التفاعل الجميل مع الأداء الرائع الذي قدمه الفنان مجذوب أونسة.

وفي ذلك لا أقول إلا: لا ينافس الإبداع إلا الإبداع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى