
لقد شاهدتك عدة مرات هذا اليوم
انت لا تعرفني وكذلك انا
الا انني متأكدة اننا التقينا
في حياةٍ ما من قبل ..
قد يكون حُلم مُشترك ..
قد تكون لحظة رُعب حقيقية
عشناها بذات الإنفعال و الخوف
و هذه الغشاوة الحقيرة من النسيان
التي تكسوك مثل لمسة الشمس
إنما هي البرهان القاطع
لكوننا نعرف بعضنا
ربما شاهدتك
تهرب تحت زخات الرصاص
عبر فتحة ضيقة في السور الحديدي
متجاوزاً الكثير من الجثث و الجرحى
كنت آمل ان تأخذني معك لانجو
لكنك لم تفعل
فقط تبخرت كأمنياتي في النجاة
في ذاك اليوم المشؤوم
قتلني العسكر مئة و عشرون مرة
وكل قتلة كانت ابشع من سابقتها
لقد جردوني من سروالي وحمالة صدري
وكنت انت هناك
ماثلاً امامي بفمك المفتوح حتى آخره
والراية النظيفة ترفرف خلفك
مثل تعويذة تحرسك
كنت تشاهد كل شئ
وتكتفي بالوقوف بفم مفتوح حتى آخره
ينزف ظهري
تجترح مخالب العسكر
ما تريد من جسدي الدامي
و يعم المكان هرج رهيب
صياح مثل صوت الجحيم
مئات العسكر يركضون
في كل الأنحاء
لا صوت يعلو فوق صوت الرعب و الرصاص
وانت هناك ف اللامكان
تقف بفمك المفتوح على آخره
تمنيت لو أتمكن من إخراس مخاوفي
و بالتالي إخراس كل هذا الهرج الجحيمي
لعلي اسمعك بوضوح
هذه حكاية طويلة وددت لو أنساها
وددت لو أتذكرها كما هي
الا انها ظلت كالنصل
مغروز في ظهري
وليس ثمة احد ف الجوار
ليساعدني على نزعه
وليس بالإمكان تجاهل وجوده
و الألم الحاصل من وجوده
وف الخلفية جلبة الرفاق
ضحكات فارغة و طويلة
تنفجر فجأة هناك
و شتائم بذيئة باصوات نشاز
و يظهر من جديد اليوم العصيب
عشرون عسكري
يتصايحون مثل قطيع ذئاب
اثناء اندفاعهم من الباب
و الرفاق يتساقطون موتى من طولهم
و شتائم بذيئة أيضاً
و ينزل الموت بجلاله
بيني و بي جاري
صديقتي الأقرب إلى روحي
اليست الروح وعاء
واسع يجتمع داخله
الحزن و الخوف و الشتائم
و التمرد و الرعب
لا اعرف حتى الآن لماذا قررت لينا تصوير هذا
الموقف!
بالكاد استندت إلى شجيرة النيم اليافعة
و رفعت هاتفها بفلاشه البراق
حتى اخترقت الرصاصة
الهاتف و رأسها
مباشرة انفتح شلال من الدم و الموت
سقطت قطرات دم ساخنة على وجهي
كما سقط الهاتف بعيداً
و سقطت يمناها قربي
لم اعرف حينها ماذا قد افعل
خصوصا أني كنت مرتعبة
وعلى وشك الدخول ف نوبة هياج
ربما حدث ذلك في داخلي فقط
فوق شعوري بالثقل
كما لو ان احدهم ربطني إلى الأرض
بمسامير تخترق جسدي بأشكال هندسية
و وصل اليّ قطيع الكلاب المهتاجة
كبيرهم كان يشير نحوى بمسدس أسود
اندفع آخر
و بدأت حفلة الصفع و تمزيق الثياب
لما استفقت سألني الدكتور
كيف أشعر الآن؟
حينها فقط
صرخت و بكيت بكل ما املك من روح!
…
ليس هناك ثمة كلمة
تستطيع وصف هذا الفراغ الرهيب
الذي يملأ نفسي
من أقصاها إلى أقصاها
مثل نبت خبيث
لقد رقصوا فوق جماجمنا بذقونهم القذرة
وتلوثت جلاليبهم البيضاء بشظايا كرامتنا
نعم ليتهم قتلونا
قبل سلب كرامتنا و إنسانيتنا
لقد حولوني إلى مسخ نذق
لا يعرف من الحياة
سوى ممارسة الغضب و الشك ف كل شيء
هل نجحت الثورة أصلاً؟
ما بال هؤلاء المجانين
يحتفلون باستحمارنا؟
ألا يعرفون معنى العدالة؟
ألسنا من دفع الثمن؟
بعضنا خسر روحه
وبعضنا خسر نفسه وعقله معاً…
ما يزعجني فعلاً
أننا صرنا نعيش لننسى
متجاوزين الأمل
هذا الحيوان اللطيف
الذي خلقناه بشحمه و لحمه
من دمائنا الحارة و عرقنا الصادق
بكل هدوء نتجاوزه
متبنيّ الألم، هذا الوحش المسكين!
…
اعذرني على التكرار
فأنا ما عدت أعرف
أين هي النقطة المهمة في الحكاية
لذا قد أكررها مرات عدة دون أن أعي ذلك
ليلة أمس تسللت إلى غرفتي البائسة
بصحبة قنينتي اليومية
نصف سكران
خطوت في ظلامها
باحثاً عن مفتاح النور
بكامل حواسي
متعرقاً مرتجفاً كالماشي فوق الأشلاء
كان الجدار بارداً
تصدر منه نبضات خافتة
مثل قلب يوشك أن يموت
وانفجر الضوء بمجرد وضع يدي
القمصان و البنطلونات في مكانها
الأريكة المكسورة
متكئة إلى النافذة تأخذ نفساً عميقاً
محدقةً في رجلها المخلوعة
فانزلقت إلى السرير الوحيد
يشاركني الشاحن و زجاجتي الليلة
ما إن أُغمض عيناي
حتى أراهم يتدافعون نحوي صارخين:
“الدم قصادو الدم”
ينخلع قلبي
أقضي ليلتي مع الارتجاف
أمام بيت جارتي مستجدياً أن تفتح!
وحي لا تفتح
أفتح قنيني وأشرب
أشرب حتى تغادر القمصان مكانها
وتدعوني للدخول
لحفلة الموتى
الذين لا يغادرون حياتي أبداً.