مقالات الرأي

عزيز الدودويكتب: الإنتقام من نانسي عجاج: جريمة قتل الأب وتشويه السمعة

سودان ستار

ليس المطلوب منا أن نكون محققين أو مطلعين على أدق تفاصيل مقتل الموسيقار عجاج لنفهم أن ما حدث كان جريمة مُخططاً لها، وليست مجرد حادثة عابرة. الضجيج الإعلامي غير المبرر حول القضية، وكأن الضحية كان رجل دولة أو زعيماً مؤثراً، يكشف أن الهدف لم يكن مجرد قتل رجل، بل كان رسالةً قذرة موجهةً إلى ابنته، الفنانة نانسي عجاج.

 

لقد حاول النظام تصوير الضحية كمجرم، عبر تلفيق تهمٍ بذيئةٍ له، مع علم الجميع أن قضية “الشذوذ” في السودان تُستخدم كسلاحٍ لإسقاط الخصوم أو تشويه المعارضين. لم يكن الموسيقار عجاج مشهوراً بدرجة تبرر ذلك الهجوم الإعلامي الوحشي، لكنه كان أباً لعائلةٍ مثقفةٍ عادت من هولندا، بلد الحرية والحقوق، مما جعلها هدفاً سهلاً لنظامٍ لا يتحمل وجود صوتٍ حرٍّ خارج سيطرته.

 

في ذلك الوقت، لم أكن أصدق الرواية الرسمية، لأننا تعودنا على ألاعيب النظام في تحويل الضحايا إلى أشرار. فكيف تُقتل عائلةٌ بأكملها معنوياً قبل أن يُغتال والدها جسدياً؟ كيف تُشن حملةٌ إعلاميةٌ شرسةٌ على امرأةٍ لم يُعرف عنها إلا إبداعها وحبها لوطنها؟ الجواب بسيط: لأن نانسي وعائلتها مثّلوا نموذجاً للحرية والانفتاح الذي يخيف أنظمة القمع.

 

لم يتوقف الأمر عند اغتيال والدها، بل تمَّ اختلاق الأكاذيب عن حياتها الشخصية، واتهامها بالفجور، ونشر الأكاذيب عن سوء علاقتها بوالدها، كل ذلك إمعاناً في العقاب الجماعي. فالقصد لم يكن قتل عجاج فقط، بل كان تحطيم نانسي نفسياً واجتماعياً، لتكون عبرةً لكل من يفكر في تحدّي الأوصياء على “الأخلاق” و”الثوابت”.

 

اليوم، يُعاد تشويه نانسي من جديد، لأنها ما زالت صامدةً، وما زالت صوتاً حراً. لكن الذاكرة الشعبية لا تُخدع بهذه الأكاذيب. فنانسي عجاج ليست مجرد فنانة، بل رمزٌ للمقاومة بالكلمة والفن، ووالدها لم يكن “متهماً” بل كان ضحيةً.

 

الرحمة للموسيقار عجاج، الذي سقط تحت أقدام الغدر، والتحية لنانسي التي تحمل جراحها بكرامة. أما من خططوا للجريمة، فتاريخ السودان سيذكرهم كأعداءٍ للحياة والفن والحرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى