مقالات الرأي

عاطف نواي يكتب: هل محاربة الظواهر السلبية طعن في حكومة التأسيس؟  

سودان ستار

هل محاربة الظواهر السلبية طعن في حكومة التأسيس؟

 

انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر مجموعة من الشرطة وأفراد المباحث في ولاية غرب كردفان، تم تكليفهم من قبل والي الولاية المحترم يوسف عليان بمداهمة خمارات الخمر وأوكار تجار المخدرات. هذا المنظر دفع البعض إلى السخرية من الأمر، وربطه بمخالفة مبدأ حكومة التأسيس، ووصفه آخرون بأنه كبت لحرية الناس، بل وصل الأمر إلى وصفهم بـ”الكيزان الجدد”، دون معرفة الأسباب التي دفعت السلطة المدنية إلى اتخاذ هذه الخطوة، معتبرين أن “الجمرة تحرق الواطيها”. وأعتقد أن ما قامت به السلطة المدنية في غرب كردفان يتوافق تمامًا مع مفهوم الفدرالية.

 

الفدرالية هي نمط من أنماط التنظيم السياسي والمؤسساتي للدول، تتحد بموجبه وحدات سياسية مستقلة (دول، ولايات، كانتونات… إلخ) في دولة فدرالية واحدة، على أن تتمتع هذه الوحدات باستقلالية واسعة في تدبير شؤونها عبر هياكل مؤسساتية مستقلة عن الحكومة الفدرالية، مع بقاء العلاقة بين الطرفين محكومة بمبدأ تقاسم السلطة والسيادة.

 

في النظام الفدرالي، تمتلك الوحدات الفدرالية حكومات كاملة الصلاحيات في إدارة الشؤون المحلية، بينما تتولى الحكومة المركزية السياسة الخارجية والدفاع، إلى جانب الشؤون المالية كتحصيل الضرائب ووضع الميزانية الفدرالية. وتكون للوحدات الفدرالية نصيب من عائدات الضرائب والنشاط الاقتصادي والاستثماري على أراضيها.

 

تؤكد الدراسات العلمية والدينية المتخصصة في الجريمة أن الخمر والمخدرات من أكبر الكبائر، ولها تأثير كبير في ارتكاب الجرائم مثل القتل، النهب، السرقة، والاغتصاب. وبعد دراسة أسباب التفلت الأمني في غرب كردفان، توصلت لجان قانونية وشرطية إلى أن انتشار الخمر والمخدرات بين الشباب بشكل غير مسبوق تاريخيًا هو من أهم أسباب هذا التفلت. لذا، قررت السلطة المدنية محاربة الظواهر السلبية، ومكافحة الجريمة من خلال استهداف ما يُفقد العقل ويشجع المجرم على ارتكاب الجرائم، وهو الخمر والمخدرات. تُعتبر هذه الخطوة إحدى الوسائل المتبعة في العديد من الدول، كما نرى في حملات مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة.

 

كما تشير معلومات استخباراتية إلى وجود عصابات مدعومة من جهات معادية تهدف إلى تدمير شباب المنطقة عبر تهريب كميات من الكبتاجون من سوريا إلى كردفان ودارفور، مستغلة حالات الصدمة النفسية الناتجة عن الحرب لتدمير الشباب كركيزة أساسية لحكومة التأسيس. لذلك، من حق والي ولاية غرب كردفان محاربة هذه الظواهر السلبية كحق دستوري وقانوني لحماية المجتمع. ففي مجتمعات غرب كردفان، تسجل بلاغات الشرطة معدلات مرتفعة لجرائم القتل حتى دون تعاطي الخمر، فكيف الحال عندما ينتشر الخمر والمخدرات بشكل عشوائي؟ تخيل حجم الانفلات الأمني!

 

من المعروف أن سكان المنطقة وثقافتهم تاريخيًا تحرم الخمر، ولا تعتبره جزءًا من تراثهم، على عكس بعض المجتمعات الأخرى في السودان. في ثقافة مجتمعات البقارة، يُحتقر شارب الخمر، ويُهجى في الأغاني والأمثال. على سبيل المثال، يقول أحد الهداة في أغنية تحذيرية للفتاة من الزواج: “السكّاري البومة ما يغشك بريحتو وهدومو”، ومن الأمثال الشعبية: “فلان دا أخير منو جردل مريسة”. وقد يتعرض شارب الخمر للنبذ والعزل المجتمعي، ولا يُقبل زواجه إلا إذا تاب لسنوات طويلة.

 

من الناحية العلمية، ووفقًا لمفهوم الفدرالية، تستفيد الحكومة التي تؤسس دستورها على الفدرالية من إحدى محاسنها التشريعية، وهي أن كل ولاية لها الحق في سن القوانين المناسبة لمعالجة ما تراه مضرًا بالمجتمع. حتى في الولايات المتحدة الفدرالية، هناك أفعال محرمة في ولاية معينة بينما تُعتبر قانونية في أخرى، وهذه إحدى فوائد الفدرالية التي تحترم ثقافة المجتمعات.

 

لذلك، هذا الإجراء لا يتعارض مع مبدأ حكومة التأسيس أو القوانين الفدرالية. فإذا أرادت ولاية محاربة الخمر والمخدرات، فهذا حقها، والعكس صحيح إذا أرادت إباحتها كجزء من ثقافتها. على سبيل المثال، في نيجيريا الفدرالية، هناك مناطق تُحرم فيها الخمر، وأخرى تُبيحها.

 

هذا الفعل يتماشى مع رغبة المجتمع في ممارسة حقوقه الثقافية والدستورية. وأنا هنا لا أدعو إلى كبت حرية الناس، بل إلى احترام ثقافة المجتمعات. والأمانة تقتضي القول إن هذا لا يتعارض مع فكرة حكومة التأسيس.

 

ونصيحتي لجميع الإدارات المدنية في مناطق سيطرة حكومة التأسيس ألا تركن إلى الانتظار حتى تُسن القوانين، بل عليها العمل على محاربة الظواهر السلبية بكل الطرق القانونية المتاحة، مع احترام حقوق الأقليات التي تعتبر الخمر جزءًا من ثقافتها، ضمن إطار قانوني يحفظ الأمن والحرية للجميع دون التعدي على الآخرين. وكما قال أفلاطون: “الحرية بلا ضوابط فوضى صريحة”. اللهم بلغت فاشهد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى