تصدر الصفحة تحت اشراف جمعية معين القصة.
خدعة
الشجرة التى زرعت باسم الوطن، لينتفع منها المواطن، عندما أشتد سوقها أثمرت زقوم.
أروى ابراهيم ” العنقاء”
***
قرنفلتي
ربضت عند الفجر هناك برأس تلة الملتقى ؛ علي أقتنص قبس من تثاءبات ضوعك الصباحي.
وحين إنتاشتني زخاته ؛ شهقتها جرعا حد الخدر.
قرنفلتي.. هيا أثمليني.
عمر نا
***
فخ
بينما يداي تضع القلادة الثمينة على جيدها ، كان قلبها يدق كطبل أفريقي بهجة و سرورا ،و أنا على محياي إبتسامة تشع منها الخبث القذارة ،
لقد افلحت أخيرا في وضع الأنشوطة
عمر الجعلى
***
صورة
كانت (نورا) تدير محلاً للطباعة، بيع الكتب المستعملة والادوات المكتبية، لم يكن المحل مكتبة بالمعنى الحقيقي لأنها في موسم الصيف الحارق، كانت تستخدمه لبيع العصائر التي تُحضِّرها بنفسها…
وبهذه الطريقة كانت تسيَّر أعمالها، كانت سعيدة بسعيها وعملها الذي أحبته، وذلك بدا واضحاً عليها في كل مساء تعود إلى المنزل، لأنها تعانق أمها بعطف وتحكي لها عن تفاصيل يومها…
أما اليوم فهي لم تكن على طبيعتها بل كانت مشوشة وحزينة بسبب زبون غريب، كأنه نبت من عدم ووقف أمامها منتصف النهار، كان يحمل وثيقة ثبوتية يهدف إلى طباعتها…
ولأنها كانت في كثير من الأحيان تحاور زبائنها بينما تقوم الماكينة بالطباعة، ظنت أنها أخطأت في طباعة وثيقة أخرى غير التي أحضرها الرجل…
لأنها حين سلمته الورقة ابتسم في وجهها ببلاهة معيداً إليها الورقة وهو يقول:
” هذه ليست لي”
ــ كيف؟ لا يعقل!
انها نسخة من نفس وثيقتك
ــ لا دققي جيداً في تاريخ الولادة وكذلك الصورة هذا ليس أنا!
ــ عبدالعظيم عبد اللطيف موسى..
تاريخ الميلاد1957 أليس هذا اسمك؟
ــ نعم ربما إسمي عبد العظيم لكن الصورة ليست صورتي
ــ أنظر هذه وثيقتك الأصلية بنفس البيانات المطبوعة.
ــ لا …
حتى هذه الوثيقة ليست لي، ورغم تطابق الأسماء أنكر الرجل كل شيء..
أعطته الأصل وتمنت له التوفيق بيومٍ سعيد، لكنه رفض استلامها وشدد مطالباً بوثيقته التي أحضرها…
“ياإلهي انه مجنون ربما غافل أهله وخرج إلى السوق”؟
هكذا رددت وهنا زعق فيها بكل قوة صوته
“أتتهمينني بالجنون”؟
أصيبت نورا بالدوار وخامرها شعور غريب متسائلة كيف سمعها؟
” لابد أني قلت بصوت عال دون أن أعلم”؟
“ها نحن ذا وأنت تعترفين بأنك قمت للتو باتهامي بالجنون لمجرد أنني طالبت بحقي لا أكثر”
وهنا تجمدت لأن كل ما تقوله لنفسها يسمعه الرجل…
ودون أن تشعر تساءلت مرة أخرى:
” كيف يمكنني الفكاك من هذه المصيبة…”؟
وقبل ان تكمل قاطعها
“أنا لست مصيبة”
ــ اذاً أعذرني على كل شيء يا أخي
ــ رد إذن دعي الإساءة وسنتفاهم
ــ صدقني يا أخي أنت أحضرت نفس هذه الوثيقة وأنا أدخلتها في الطابعة وهكذا أخرجتها دون أن أضعها في الدرج حتى، ولو فعلت لقلنا أنها اختلطت مع غيرها من وثائق، ثم أني لا أحتفظ بأي وثيقة أخرى هنا…
تذكر يا أخي ربما بدلتها في مكان آخر.
وبدل أن يجاوبها أخذ وثيقته وخرج..
ناقمته من بعيد:
“هل انتهينا” ؟
لكنه لم يرد فقط هز رأسه واختفى وسط الزحام… تنفست الصعداء وجلست…
لكنها لم تنعم بطمأنية الفكاك من الرجل الذي ظنت انه مجنون سوى بضع دقائق، حتى عاد مرة أخرى، ووقف أمامها غاضباً ليقول بصوت جهور:
“لا لم ننتهي”
نهضت مذعورة
“يا إلهي ما هذه المصي…..”
رد عليها وهو أكثر غضباً هذه المرة:
“أخبرتك أنني لست مصيبة”
وفي الحال تأكد لها بأنه رجل مجنون ولا شك في ذلك، لكنه يسمع كلامها حين تهمس لنفسها وينتفض فوراً لو شتمته مثلاً…
“فعلاً إنها مصيبة”
هكذا صاح جارها صاحب محل العصير، لكن الرجل المجنون لم يتفوه بكلمة وكأنه لم يسمع شيء. وبعد أن أغلق محله وتدخل، وقف أمام الرجل مباشرة وهو يكلمه
“هل أنت مجنون يارجل؟
تقول لك ان الأوراق التي أحضرتها هي نفس أوراقك، والآن خذها وارحل ولتمارس جنونك بعيداً عن هذه الفتاة المسكينة”
لكن الرجل هذه المرة أيضاً ظل صامتاً، ما جعل صاحب العصير يشك في سمعه، رمقه بنظرة من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه متسائلاً في سره:
” الرجل حقاً مخبول وهذا واضح من مظهره”
وهنا قفز فيه بكل قوته وخنقه مردداً بصوت أعلى:
“كيف تصفني بالمخبول ألأنني أطالب بحقي”؟
شعر صاحب محل العصير بالخوف يجتاحه، لأنه مهما قال بصوت عال، لا يحرك ساكنًا في الرجل وبمجرد أن يتحدث بهمس يسمعه ويستشيط غضباً…
انها فعلا ورطة…
وبصعوبة استطاع ان يفك عنقه من قبضة الرجل…
وهنا ومن بعيد في الشارع المقابل، هب صاحب مطبعة مجاورة راكضاً إلى حيث يتجمهر الناس، أمسك الرجل من يده وهزه هزاً عنيفاً…
بدا وكأنه شجرة من مظهره وهو يهتز، وكأنما صاحب المطبعة أسقط من رأسه كل جنونه، وفي الحال سلمه ورقة بدت خارجة من المطبعة لتوها، أمسكها باحكام واختفى… لكن الفتاة لم تشعر بالطمأنينة الكاملة وظلت في شك طوال نهارها، ان الرجل قد يعود في أي لحظة ليفتعل مشكلة أكبر، ولحسن حظها لم يعد حتى انتهى وقت عملها وعادت إلى المنزل…
قررت بعد العشاء أن تحكي لأمها ما دار بينها وبين الرجل في السوق لكنها أحجمت عن ذلك، خوفاً على والدتها من القلق طوال النهار وهو وقت عملها في السوق، وقد تصاحب هذا التوتر إتصالات هاتفية على رأس كل ساعة، على شاكلة
” هل جاء الرجل المجنون؟وأخبري رجال الشرطة لو عرَّض لك مرة أخرى”؟
أو ربما تصل إلى مرحلة
” اليوم سأذهب معك إلى السوق وغداً وكل هذا الأسبوع حتى نتأكد من عدم حضور هذا المخبول”
خوفها من هذا كله منعها من إخبار والدتها، لهذا قررت أن تتعشى وتنام…
وكعادتها كانت تداوم على قراءة قصة كل يوم قبل النوم أو عدة صفحات من كتاب… كانت مولعة بالأدب الإيراني الحديث…
وكان قبل الحادثة بيوم قد حضر إلى محلها رجل طويل القامة بشارب كث وعينان صغيرتان، سرعان ما ابتسم في وجهها وكأنه يعرفها ويريد أن يذكرها بنكتة تعرفها جيداً، وقف أمامها وأزاح الشعر المتدلي على وجهه بسرعة قبل أن يناولها ورقة قال انه يرغب في طباعتها إلى ثلاثة نسخ، وبينما كانت الماكينة تعمل سألته من أي دولة أنت؟
لكن الرجل ابتسم في وجهها وأومأ برأسه فقط، وسرعان ما قدرت أنه لا يعرف شيء عن اللغة العربية لذا سلمته أوراقه واستلمت منه ثمن الطباعة، وبينما كانت تبحث في محفظتها عن فكة لتعطيه ما تبقى له من المبلغ، اختفى الرجل وكأنه تبخر…
لكنه نسي لها كتاب كان معه، رفعته وأول ما وقع بصرها فيه هو العنوان:
(أنطولوجيا القصة الإيرانية الحديثة)…
دسته بسرعة تحت أشيائها في المحل وواصلت العمل…لم تستطع الإنتظار حتى المساء لتقرأه، فوراً بدأت بقراءته كلما سنحت لها فرصة وأول قصة أعجبتها في الكتاب هي:
قصة (المصور)
للقاص ــ بهرام صادقي ــ
وهي تحكي عن رجل التُقِطت له صور وعندما جاء في اليوم التالي لإستلامها من أوستوديو التصوير لم يستطع التعرف على نفسه.
وطوال ساعات النهار رغم إنشغالها مع زبائنها إلا أنها واصلت القراءة من حين لآخر، أخذت تدور حول قصة المصور كثيراً حتى كادت أن تحفظها، وفي كل مرة تنتهي من قراءتها كانت تصف بطل القصة:
بـــ(الأبله أو المخبول)
وفي مساء الحادثة عندما عادت
(نورا)
من عملها كما قلنا كانت مرهقة، حزينة…
وكأنها عاشت دهراً كاملاً في نهار واحد، وفي غرفتها المنزوية في طرف المنزل، دفعت الباب براحة يدها فقط فانفتح، لم تنتبه إلى أنها كانت تفتحه عبر مفاتيح مخصصة لذلك وتحملها معها طوال الوقت، ولا تقبل بدخول غرفتها دون إذنها..
لم تنتبه إلا بعد أن جلست واستراحت قليلاً، نظرت إلى الباب مطولاً، فتذكرت أنها ولأول مرة تجد باب غرفتها مفتوح، لم تتساءل عمن فتحه، ولا عن كونها يمكن ان تكون تركته مفتوح عند خروجها في الصباح…
أخرجت الكتاب من حقيبتها وبدأت، قرأت قصة المصور كاملة ولثلاث مرات، وفي كل مرة كانت تصف بطل القصة بـ(المخبول) كما في المرات السابقة
وفي المرة الأخيرة وضعت الكتاب جانباً وأوت إلى فراشها، لكنها بين اليقظة والنوم أحست أن شيئ ما تحرك في الغرفة، وسرعان ما حرك الستائر أيضاً..
نهضت خائفة خطت ناحية مفتاح الضوء وقبل ان تبلغه هجم عليها أمسك عنقها، خنقها بشدة، حاولت ان تصرخ، أن تتمسك بأي شيء لكنه كان أقوى، لم تستطيع وقبل أن تستسلم له تركها وفر هارباً…
وفيما كانت تلتقط أنفاسها لتخرج وتخبر أمها، انفتح الباب فتناهى إلى سمعها صوت غليظ بنبرة تحذيرية حادة كأنه خارج من بئر عميق:
“أخبرتك أنني لست مصيبة ولا مخبول وتذكري أننا لم ننته بعد”.!
أحمد عيسى