
بالنظر إلى الانقسامات القبلية العميقة في الفاشر ومعسكر زمزم، غالباً ما تشوب الأخبار الواردة تحيزات واضحة. فالغالبية الساحقة من السكان، بمن فيهم نازحو معسكرات زمزم وأبوشوك، يكنون عداءً شديداً لقوات الدعم السريع، متجاهلين أي دور إيجابي محتمل لها، مما يجعل آراءهم منحازة وسلبية بشكل جلي.
في المقابل، تستغل القوة المشتركة هذا التحيز القبلي وتتجاهل وسائل الإعلام استخدامها للنازحين كدروع بشرية في صراعها. ومن المفارقات أن هؤلاء النازحين أنفسهم سبق لهم الشكوى من قصف الطيران الحكومي لمناطقهم، وقد وثقت الحركات المسلحة حالات نزوح بسبب هذا القصف الذي كان يتم بأوامر من حكومة البشير في الخرطوم. لكنهم الآن يتناسون تلك الجرائم ويوجهون غضبهم نحو قوات الدعم السريع، بينما يقف موسى هلال، القائد الفعلي للجنجويد، حالياً إلى جانب الجيش الذي يتحالفون معه. والأكثر إثارة للقلق هو تجنيد أطفال ولدوا في معسكرات النزوح للدفاع عن السلطة التي تسببت في تشريدهم وقتل ذويهم.
علاوة على ذلك، لم يتخذ أمير الحرب مني أركو مناوي، رغم توقيعه اتفاقيات سلام في أبوجا (2005) وجوبا (2019)، خطوات فعلية لمعالجة قضايا النازحين. بل سعى للمساومة بهم واستغلالهم سياسياً واقتصادياً لتعزيز نفوذه الإقليمي في دارفور، من خلال إستجداء المنظمات الدولية باسمهم. كما عمل على تحريضهم عاطفياً ضد المكونات العربية في دارفور، وهو توجه راسخ في أيديولوجية حركته “جيش/حركة تحرير دارفور”، التي لا يزال فكر معاداة القبائل العربية حاضراً بقوة في تصورات أنصارها الراديكاليين، رغم تغيير اسمها.
من اللافت أن السيد محمد حمدان دقلو قدم الدعم المالي والعسكري لحركة مناوي وساعدهم في الانضمام لمفاوضات جوبا رغم معارضة النخب المركزية. ورغم هذه البادرة الطيبة، غدرت الحركات المسلحة به وتحالفت مع الحكومة المركزية التي قاتلتها لعقود، مما يشير إلى أن جوهر مشكلتهم ليس مع السلطة المركزية بقدر ما هو مع المكونات العربية التي ينتمي إليها السيد دقلو.
تمثل معركة الفاشر بالنسبة للبرهان وغالبية الشماليين حرب استنزاف لقوات الدعم السريع والقوة المشتركة على حد سواء، حيث يمثل الطرفان تهديداً مباشراً للسلطة المركزية في الخرطوم. قد يكون تهديد القوة المشتركة أقل مقارنة بالدعم السريع، لكن من الوارد أن يتحول الابتزاز الذي يمارسه مناوي وجبريل على البرهان إلى واقع ملموس إذا تعزز النفوذ العسكري والسياسي للحركات المسلحة، خاصة إذا تمكنت القوة المشتركة من تحقيق نصر على الدعم السريع وكسب تأييد القبائل الأفريقية في دارفور لدعم مواقفها في مواجهة الحكومة المركزية، وهو ما يراهن عليه مناوي منذ البداية بصفته والياً للإقليم ومتبنياً لقضية القبائل غير العربية في دارفور.
تتجه المعركة في الفاشر نحو الحسم، على الرغم من صعوبة ذلك بسبب تحصن قوات الجيش والقوة المشتركة بالمدنيين. وقد سعت قوات الدعم السريع لتقليل الخسائر بين المدنيين قدر الإمكان من خلال فتح ممرات آمنة لخروجهم، خاصة في معسكر زمزم بعد استعادته من القوة المشتركة التي حولته إلى قاعدة عسكرية. تم إجلاء حوالي 450 ألف نازح من معسكر زمزم إلى مناطق قوز بينه وطويلة، وتجري محاولات لإخراج المدنيين من داخل الفاشر، لكن القوة المشتركة ترفض ذلك لاستخدامهم كدروع بشرية.
تواجه قوات الدعم السريع خيارات صعبة في الفاشر في ظل وجود المدنيين. فالحصار غير فعال نسبة لوجود مخزون كبير من المؤن والعتاد الحربي في الأنفاق المحيطة بالفرقة السادسة. والهجوم المباشر بسيارات الدفع الرباعي مكلف بسبب الألغام والتحصينات الدفاعية القوية. قد يكون الخيار العسكري الأمثل هو قصف المواقع العسكرية المتبقية بالمدفعية الثقيلة وقذائف الهاون المكثفة (حوالي 4000 قذيفة)، ثم الهجوم بالدبابات والمدرعات المصفحة، بعد تدمير القدرات الدفاعية للجيش والقوة المشتركة. لكن هذا الخيار غير ممكن مع وجود آلاف المدنيين المحتجزين كرهائن داخل المدينة من قبل القوة المشتركة.