منوعات

الطاهر علي الريح يكتب: احتفالات ثورة أكتوبر بالقراصة

سودان ستار

 

 

تُعدّ القراصة إحدى المدن الهامة في بحر أبيض، فهي تقع على الضفة الشرقية منه، هادئة كهدوء بحر أبيض، وتنقسم إلى قسمين:

القراصة الشرقية ويسميها أهلنا القراصة الفوق، والقراصة الغربية ويسميها الأهالي القراصة التحت.

تُعتبر القراصة فسيفساءً لأهل السودان، ففيها الحسانِي والعروابِي والكاهلي، وفيها المحسي والدنقلاوي، وفيها الشايقي والجعلي، وفيها النوبي والجنوبي، وفيها التركي والكُشّاف والريافي، وفيها الحلبي والمسلاتي، وفيها البقاري والفلاتي.

وتُعد القراصة ذات كثافة سكانية عالية مقارنة ببعض المناطق. ويعمل معظم سكانها في النقليات والتجارة والزراعة، وقد أصبحت القراصة تمتلك أسطولاً ضخماً من العربات تجوب به أرض السودان، خاصة غرب وجنوب السودان.

تحيط بالقراصة الغابات من الناحية الجنوبية والشمالية، والقيزان والأراضي الزراعية من الناحية الشرقية.

ومن الشخصيات البارزة اليوم بالقراصة:

الفريق معاش إسحاق إبراهيم عمر، وأخوه الدكتور مروان، والمهندس عبدالرحيم صبير وإخوانه المهندس إسماعيل والأستاذ محمد الأمين صبير، وآل يونس ود عبدالسلام، وآل الكاشف، وآل النذير، وآل الأستاذ موسى الحسن، وآل محمد بشارة، وآل ود الشمبولة، وآل عويس، وآل الحاج ودعثمان، وآل شعبان، وآل سيد أحمد، وآل عثمان ود المحجوب، وآل همزة، وآل الشيخ، وآل حسين، وآل الشريف، وآل ود سرار.

تنبع أهمية القراصة من وقوع أحداث كبيرة بها أو ذات صلة بها غيّرت مجرى تاريخ المنطقة والسودان بأكمله:

 

في القرن التاسع عشر، وبالتحديد في الفترة من 16 إلى 28 يناير 1883م، شهدت منطقة القراصة معركة حامية الوطيس أرسلها المعتدون من التركية السابقة بغرض تأديب الحسانية لمساندتهم للثورة المهدية، فاستبسل فيها الأنصار بقيادة الفكي إدريس ود تمساح الترك، ولقنوا الأعداء درساً لم ينسوه حتى يومنا هذا، فهزموهم شر هزيمة، وقُتل قائد الحملة، وما زالت بقايا إحدى بواخرهم محطمة قبالة القراصة في بحر أبيض شاهدة على ذلك المصرع.

 

وشهدت القراصة مرة أخرى حدثاً هزّ السودان والعالم بأسره، حيث سقط ابنها الشهيد أحمد القرشي طه صريعاً برصاص الغدر والخيانة على طلابٍ عُزّل في الحادي والعشرين من أكتوبر عام 1964م. فقامت قيامة النظام، وانتهى إلى غير رجعة يجرجر أذيال الخزي والعار، وصنع الشهداء بدمائهم مجداً خالداً للشعب السوداني، وأناروا الدرب، وأصبح الطريق معلماً من معالم النضال السوداني، وأنموذجاً عالمياً لحركات التحرر من ربقة الأنظمة الاستعمارية والشمولية.

 

أصبحت القراصة بعد استشهاد القرشي إحدى المنارات السودانية وقبلة الثوار، فكان الاحتفال السنوي بأعياد ثورة أكتوبر حدثاً يقف له الشعب السوداني إجلالاً وإكباراً.

وننقل لكم من الذاكرة طريقة الاحتفالات بالقراصة:

منذ الصباح الباكر، يتقاطر أبناء النيل الأبيض وطلاب المدارس بأعلامهم الزاهية بالنصر نحو القراصة، موقع قبر الشهيد القرشي، في مشهدٍ آسر، متشربين بروح العزة والفخر وكرامة المنطقة التي ظلت ترفد السودان بشهدائها منذ الثورة المهدية.

عربات وزارة الاستعلامات والعمل تبث الأناشيد الأكتوبرية:

 

أكتوبر الأخضر – الفنان محمد وردي

 

شعبك يا بلادي شعبك أقوى وأكبر مما كان العدو يتصور – محمد وردي

 

هبت الخرطوم في جنح الدجى ضمدت بالعزم هاتيك الجراح – عبدالكريم الكابلي

 

أكتوبر واحد وعشرين يا صحوة الشعب الجبار – محمد الأمين

 

الملحمة – محمد الأمين

 

لما يهل الماضي الطول

فجر النور من عينا اتحول

قلنا نعيد الماضي الأول

ماضي جدودنا هزموا الباقي

وهدوا قيود الظلم الباغي

هزمنا الليل والنور في الآخر

والشعب الثائر يصرع ليلنا داجي وطول

وكان القرشي شهيدنا الأول

وما تراجعنا

حلفنا نقاوم ليلنا وسرنا

 

في الحادي والعشرين من شهر أكتوبر – صلاح مصطفى

 

وتخرج القراصة عن بكرة أبيها احتفاءً بهذه المناسبة واستقبالاً للضيوف من مشارق ومغارب السودان، في أيامٍ خالداتٍ وكرمٍ حاتمي لا يُنسى، وهم في انتظار لحظة وصول وفد الخرطوم الرسمي وموكب جامعة الخرطوم بلباسهم المميز.

وقد شهدنا في ذلك الوقت – ونحن في السنة الأولى المتوسطة بنعيمة – حضور وفد الخرطوم عام 1966م بقيادة رئيس مجلس الوزراء السيد الصادق المهدي، وكان في استقبالهم كبار شخصيات المنطقة وعلى رأسهم والد الشهيد القرشي والشيخ إبراهيم هباني، حيث ألقى السيد الصادق خطاباً ضافياً في هذا الاحتفال.

ويجدر بنا أن نتذكر أن من صلى على جثمان الشهيد أحمد القرشي بميدان عبدالمنعم بالخرطوم قبل نقله للقراصة هو السيد الصادق المهدي نفسه.

كما شهدنا أيضاً حضور الرئيس جعفر محمد نميري عام 1969م، وألقى فيه الشيخ البخاري بابكر خطاباً حيّا فيه جماعة مايو بثورتهم تلك.

وعند قيام رابطة أبناء شمال النيل الأبيض بجامعة الخرطوم عام 1978م، قمنا في نفس العام بالاحتفال بذكرى أكتوبر، وسيرنا موكباً إلى القراصة، وأقمنا احتفالاً بهذه المناسبة، وقلّدنا فيه والد الشهيد القرشي وشاح رابطة أبناء شمال النيل الأبيض، وأقمنا حفلاً بجامعة الخرطوم أحياه الفنانون محمد وردي ومحمد الأمين وأبوعركي البخيت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى