
تقرير : الكاظم هـرون
تعرضت منطقة هجليج النفطية بولاية غرب كردفان، اليوم السبت، هجومًا جديدًا بطائرات مسيّرة إستهدف مطار الحقل الإستراتيجي عند الساعة الثانية صباحًا، في جولة ثانية من الهجمات خلال أقل من أسبوع، وأكدت مصادر ميدانية أن الانفجارات كانت عنيفة وأثارت حالة من الذعر وسط العاملين، بينما وُجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى قوات الدعم السريع التي تبنّت في بيانات غير رسمية خلال الأشهر الماضية سياسة إستهداف البنية التحتية الحيوية التابعة للدولة السودانية.
الهجوم الأخير يفاقم حالة القلق السائدة في قطاع النفط السوداني، خصوصًا أنه يأتي بعد أربعة أيام فقط من هجوم مماثل وقع بتاريخ 26 أغسطس الجاري، وأسفر عن مقتل خمسة موظفين وإصابة سبعة آخرين من العاملين في الحقل.
شركتا النفط العاملتان في هجليج تهددان بالإغلاق
1 – شركة 2B للعمليات (2B OPCO): سلامة الموظفين أولًا
كشفت الشركة في رسالة رسمية بتاريخ اليوم (30 أغسطس 2025)، موقعة من رئيسها محمد صديق الحسين، عن خطورة الموقف قائلة:
”نأسف لإبلاغكم بأن مطار هجليج تعرض لهجوم من قبل طائرات مسيرة بدون طيار… هذه هي الجولة الثانية في محيط الحقل بعد هجوم 26 أغسطس الذي أودى بحياة خمسة وإصابة سبعة آخرين، نؤكد مجددًا إلتزامنا بالعمليات المستمرة، إلا أن سلامة موظفينا هي الأولوية القصوى، ولذلك سنستعد لإغلاق محتمل في حال إستمرار هذه الهجمات“.
بهذا البيان، تضع الشركة المجتمع النفطي أمام حقيقة أن أي هجوم إضافي قد يعني تعليق أو إغلاق كامل للإنتاج، وهو ما لم يحدث منذ أزمة هجليج العسكرية عام 2012.
2 – شركة بترولاينز للنفط الخام المحدودة (PETCO): نفس المخاوف ونفس التهديد
وفي خطاب مماثل، أرسلت شركة PETCO إخطارًا رسميًا لإدارتها وشركائها في جنوب السودان، أشارت فيه إلى تعرض مطار هجليج لنفس الهجوم بالطائرات المسيّرة فجر اليوم، وأكدت الشركة على نفس التفاصيل المتعلقة بالخسائر البشرية (5 قتلى و7 جرحى) في هجوم 26 أغسطس.
وأوضحت الشركة في خطابها الموجه إلى مسؤول العمليات الخاصة بنص صريح:
”سلامة موظفينا هي الأولوية القصوى… وسنستعد لإغلاق محتمل في حال استمرار هذه الهجمات“.
بهذا يتضح أن شركتين أساسيتين في تشغيل حقل هجليج تلوّحان بقرار الإنسحاب إذا استمر القصف الجوي، وهو ما يجعل مستقبل الحقل مهددًا بشكل جدي.
أهمية هجليج في الإقتصاد السوداني والإقليمي
يُعتبر حقل هجليج شريانًا حيويًا للإقتصاد السوداني، إذ ينتج كميات كبيرة من الخام الذي تعتمد عليه البلاد في توفير النقد الأجنبي، كما أن جنوب السودان يعتمد بشكل كبير على مرور نفطه عبر أنابيب تمتد من حقوله الداخلية إلى موانئ التصدير السودانية عبر هجليج.
وبالتالي، فإن أي توقف للإنتاج أو إنسحاب للشركات الأجنبية سيؤدي إلى:
– خسائر مالية بمليارات الدولارات للسودان وجنوب السودان.
– تعطيل تدفق العائدات النفطية التي تمثل المصدر الأساسي للعملات الصعبة.
– تراجع الثقة الدولية في استقرار قطاع الطاقة السوداني.
الجانب الأمني والسياسي: النفط كساحة صراع جديدة
يرى محللون أن إستهداف الدعم السريع لحقل هجليج يمثل مرحلة جديدة من التصعيد العسكري، حيث لم يعد الصراع مقتصرًا على المدن والطرق الإستراتيجية، بل انتقل إلى البنية التحتية الإقتصادية الحيوية.
هذه الإستراتيجية تهدف – وفق المراقبين – إلى إضعاف الحكومة إقتصاديًا عبر ضرب شريانها المالي الأهم، كما أن التهديد بإنسحاب الشركات يعكس هشاشة الوضع الأمني وعدم قدرة الدولة على فرض سيطرتها الكاملة على مواردها.
في المقابل، من المتوقع أن يثير هذا الإستهداف ردود فعل إقليمية ودولية، خاصة من جانب جوبا، إذ أن استمرار العمليات العسكرية في هجليج يهدد مباشرة مصالحها الإقتصادية المرتبطة بخطوط التصدير.
تداعيات محتملة على المشهد الإقليمي
جنوب السودان قد يجد نفسه مضطرًا للتدخل الدبلوماسي أو الأمني للحفاظ على تدفق النفط، وشركات النفط الأجنبية ربما تراجع وجودها في السودان إذا لم يتم ضمان الحماية الأمنية، وإن المجتمع الدولي قد يمارس ضغوطًا على الأطراف المتحاربة لوقف استهداف المنشآت النفطية، باعتبارها تمثل مصلحة إقليمية وليست سودانية فحسب.
يبدو أن حقل هجليج النفطي يقف اليوم عند مفترق طرق خطير: فإما أن تنجح الدولة في إستعادة السيطرة وتأمينه، أو أن ينزلق نحو إغلاق قسري يعمّق الأزمة الإقتصادية والسياسية.
إن تهديد شركتي 2B OPCO وPETCO بالإنسحاب يعكس حجم الخطر الداهم على قطاع النفط السوداني، ويشير إلى أن إستمرار الهجمات لن يضر فقط بالعاملين في الحقل، بل سيصيب الإقتصاد الوطني في مقتل، ويهدد إستقرار المنطقة بأسرها.