مقالات الرأي

الجميل الفاضل يكتب: رمال كردفان المتحركة: هل تغير مجرى التاريخ؟!

سودان ستار

رمال كردفان المتحركة: هل تغير مجرى التاريخ؟!

 

بعد معارك كردفان، لم تعد الحرب هي الحرب ذاتها التي بدأت قبل أكثر من عامين، تلك التي اختُزلت طويلًا في صراع بين جنرالين.

لقد تحولت الآن إلى مواجهة متعددة الأطراف، تعكس صراعًا أعمق بين الهامش والمركز، صراعًا يعيد طرح ذات الأسئلة القديمة حول الهوية والسلطة والانتماء.

وباتت رمال كردفان المتحركة تروي قصة السودان بتناقضاته ومفارقاته العجيبة، لتشكل حربًا من نوع جديد.

إذ هي – في حقيقتها – رمال تحمل في حراكها النشط غبار تحرر محتمل من هيمنة المركز، حيث جذبت أقدامًا كانت بالأمس حارسة للمركز نحو نقيض وظيفتها، ودفعت بأخرى نشأت أصلًا لمناهضة هذا المركز، إلى التموقع في ذات الخندق الذي كانت تحاربه.

المفارقة أن قوات الدعم السريع، التي ظلت تدافع عن مركز الدولة حتى سقوط البشير، تقود اليوم ثورة الهامش، بينما تحولت بعض حركات دارفور التي نشأت لمقاومة المركز إلى مدافعة عنه، وعن بقائه كما هو.

إنها تموضعات مدهشة، ليست مجرد صدف، بل مرآة لتحولات معقدة، تُظهر أنماطًا من التخلق خارج الأرحام الطبيعية.

وهذا التبادل الغريب في الأدوار لا يُعبّر عن فوضى قدر ما يعكس تعقيدات الواقع السوداني، حيث تتشابك المصالح والولاءات.

فقد تحول مركز النزاع تدريجيًا، بعد بناء جبهة حول ميثاق نيروبي، من معركة جنرالات تُحرّكها الطموحات الفردية، إلى حرب تحالفات تسعى لإحداث تغيير جذري في بنية الدولة.

هذه الصورة تشكّلت في ذهني يوم كنت أجلس بمقهى في كمبالا، أستمع إلى لاجئين من دارفور وكردفان وجبال النوبة، يروون قصص التهميش: طرق لا تصل قراهم، مدارس لا تعلم أبناءهم، وسلطة مركزية تنهب ثرواتهم وتتركهم للغبار.

هذه القصص القديمة وجدت صداها مؤخرًا في تحالف “تأسيس”، الذي تبنّى تلك المطالب في ميثاقه ودستوره لحكم البلاد.

لذلك، فإن استعادة قوات هذا التحالف لمناطق الخوي، الدبيبات، والحمادي، لا يُنظر إليها كمجرد انتصارات عسكرية للدعم السريع، بل كما وصفها سليمان صندل: “علامة فارقة” في مسيرة حروب الهامش ضد المركز.

وهكذا، فإن ما يجري اليوم في كردفان قد لا يكون مجرد تطور ميداني عابر، بل لحظة فارقة تُعيد صياغة معادلات الصراع في السودان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى