
في زمن العبث والانحطاط، لم يعد من المستغرب أن تتحول معايير التكريم والاحتفاء إلى مهزلة تليق بعناوين “مساخر آخر الزمان”. ففي الوقت الذي تئن فيه الخرطوم تحت وطأة الكوليرا، والإسهالات المائية، وربما آثار أسلحة كيمياوية فتاكة، وفي ظل غياب أبسط مقومات الرعاية الصحية والإنسانية، تخرج علينا ما تُسمى بـ”حكومة الإصلاح” بتكريم أحد رموز الإسفاف اللفظي، المدعو حماد عبدالله حماد، بمنحه تأشيرة حج وعمرة، ورعاية خاصة من بعثة السودان الرسمية في المدينة المنورة.
أي إصلاح هذا الذي يكافئ من يتباهى ببذاءاته وإساءاته لأمهات السودانيين؟! وأي دولة تلك التي يمثلها عبد الفتاح البرهان، حين يهرول بنفسه لزيارة شخص اشتهر بإطلاق أقذر العبارات بحق نساء دارفور وكردفان، بينما لم يكلف نفسه بزيارة واحدة لأسر الشهداء أو جرحى الحرب أو أطفال المصابين بالكوليرا؟ هل البرهان رئيس دولة أم زعيم عصابة يكافئ من يخوض في أعراض الناس، ويهين أمهات مقاتلين سودانيين، فقط لأنهم في الطرف الآخر من الصراع؟
إن تكريم أمثال حماد لا يُفسر إلا بوصفه تبنياً رسمياً من “حكومة بورتوكيزان” لخطاب الكراهية، والانحطاط، والإباحية اللفظية، في محاولة مفضوحة لصناعة رموز إعلامية بائسة تروّج لعقيدة الإهانة وتفكيك النسيج الوطني. كيف يُمنح جواز سفر لشخص كهذا خلال ست ساعات بتوجيه مباشر من وزير الداخلية، بينما يُحرم مئات المرضى والمحتاجين من السفر للعلاج، ويموت العشرات في انتظار وثيقة ثبوتية؟!
في هذا السياق، خرج تجمع حفظة القرآن الكريم عن صمته، ليصف تكريم حماد بأنه احتفاء رسمي بالمتفلتين، ورسالة دعم للمسيئين والمعتدين على كرامة النساء، في وقت يجب أن تتوجه فيه الجهود إلى إنصاف أسر الشهداء، وتكريم المقاتلين، واحتواء النازحين والمنكوبين.
أما الناشطة سماح عبدالله فقد لخّصت الموقف بقولها: “إنه تكريم للمسيئين، ودعوة مفتوحة لدخول التاريخ بالإساءة والتفاهة، بدلًا من الشرف والنضال”.
نحن اليوم أمام مرحلة من الفجور السياسي، حيث تتحول البذاءة إلى بطولة، والضياع الأخلاقي إلى سياسة دولة. وأمام هذا المشهد الساخر، لا نملك إلا أن نقول: أعوذ بالله من الكيزان… أعوذ بالله من زمن تكافأ فيه السفاهة، وتُهمل فيه الشهادة.