
تقرير: الكاظم هـرون
في تطور غير مسبوق، تناقلت مصادر إعلامية عن قرار مرتقب بتعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً لمجلس الوزراء بصلاحيات كاملة، ما أعاد تسليط الضوء على قضية قديمة وشائكة: “تاريخ الميلاد المتنازع عليه” لرجل أمضى سنوات في قلب المنظمات الدولية، وها هو يعود إلى الواجهة السياسية من بابها الأعلى.
البداية: تاريخ ميلاد متغير… وخطأ مزعوم
في أبريل 2006، فجّر تعديل مفاجئ في الوثائق الرسمية التابعة للدكتور كامل إدريس، المدير العام لمنظمة الملكية الفكرية (الويبو) حينها، موجة تساؤلات لم تهدأ حتى اليوم، فبعد أكثر من عقدين على بدء خدمته بالمنظمة، تم تعديل تاريخ ميلاده من 26 أغسطس 1945 إلى 26 أغسطس 1954، التبرير الرسمي؟ “خطأ مطبعي” لم يُكتشف إلا بعد 24 عاماً.
إلا أن “الخطأ” لم يكن عادياً، فقد وقع الدكتور إدريس على ما لا يقل عن 12 وثيقة سفر خلال تلك السنوات، يؤكد فيها أن 1945 هو عام ميلاده، وفي حين تم تبرير التناقض لاحقاً بأنه ناجم عن “خلط بين الأرقام”، أثار الأمر شكوكاً واسعة النطاق حول الدوافع، والآثار، والنية.
المستشار القانوني… وكشف المستور
كان من المثير أن الجهة التي نبّهت إلى هذه القضية هي ذاتها التي كان يرأسها إدريس، فقد أعدّ المستشار القانوني لمنظمة الويبو مذكرة داخلية في مارس 2006 تكشف التناقض بين تاريخ الميلاد المستخدم في طلب التوظيف عام 1982 (1945)، وبين جواز السفر ورخصة القيادة السويسرية التي تحملان تاريخ 1954.
الأكثر إثارة أن المستشار أقر أن دكتور إدريس هو من طلب منه التحقق من الأمر، ما يفتح الباب لتساؤلات أعمق: هل كان هذا إستعداداً إستباقياً لتغيير محتمل؟ أم محاولة “لشرعنة” تاريخ تم أستخدامه لتحقيق فوائد إدارية؟
إستغلال محتمل أم تقصير إداري؟
تشير الوثائق إلى أن الدكتور كامل كان بإمكانه تصحيح الخطأ منذ توليه منصب مدير عام الويبو عام 1997، لكنه لم يفعل. ووفقاً للتحقيق، فإن تعديل طلب التوظيف الأصلي بخط اليد للإشارة إلى “تصحيح التاريخ” لم يظهر إلا بعد أن بات له حق الإطلاع الكامل على ملفه، ما يثير شكوكاً حول توقيت هذه الإضافة.
وقد خلص التحقيق إلى أن إستخدام سنة الميلاد 1945 مكن إدريس من استيفاء متطلبات تتعلق بالخبرة، والوصول لسن التقاعد الأممي، وربما لعبت دوراً في ترجيح كفته ضمن المنافسة على المناصب العليا.
إزدواج التواريخ… وتعدد التفسيرات
تكررت حالات إستخدام التاريخين 1945 و1954 في مناسبات متعددة، منها طلبات جوازات السفر، التأشيرات، وحتى شراء العقارات، وتم الإشارة إلى استخدام توقيعين مختلفين من قبله، ما فُسّر بأنه جزء من ممارسات تعتيم غير مبررة.
لكن إدريس دافع عن نفسه بشراسة، زاعماً أن ما يحدث “حملة منظمة ذات أبعاد عنصرية”، وموضحاً أنه لم يكن ينوي الكذب، بل كان يحاول الحفاظ على الاتساق في أوراقه لحين تصحيحها بالشكل الصحيح.
الأثر الوظيفي… والحساب المؤجل
أبرز ما خلص إليه التقرير الأممي هو أن الدكتور إدريس استفاد بشكل مباشر من استخدام تاريخ الميلاد الأقدم (1945)، سواء في تبرير مؤهلاته، أو استمراره في المنظمة، أو حتى في ترتيب تقاعده، كما اعتبر التقرير أن “التناقضات في السيرة الذاتية والشهادات” تضعف مصداقيته الوظيفية.
ومع أن التحقيق لم يذهب إلى حد توجيه اتهامات قانونية، فقد حمل نبرة إدانة واضحة، مشيرًا إلى أن قواعد السلوك الوظيفي كانت تفرض عليه تصحيح هذه المعلومات منذ التحاقه بالمنظمة عام 1983.
العودة من الباب الكبير؟
اللافت، أنه رغم الجدل الكثيف، لم تُسجّل ملاحقات جنائية ضد إدريس، واستمر في أداء مهامه حتى مغادرته الويبو، واحتفظ بصلاته في الدوائر الدولية، واليوم، مع تداول أسمه كمرشح لرئاسة مجلس الوزراء في السودان بصلاحيات موسعة، يجد كثيرون أنفسهم أمام مفارقة لافتة: هل يمكن لقضية تزوير مفترضة أن تكون خلفنا، بينما هو يتقدم لقيادة مرحلة إنتقالية مفصلية؟
تساؤلات مفتوحة
هل تُغفر “تزوير شهادة الميلاد” لشخصيات عامة في ظل رصيدها السياسي والدبلوماسي؟
هل هناك من يقف خلف إعادة تدوير كامل إدريس في الساحة السياسية؟
ما موقف المجتمع الدولي، خصوصاً الأمم المتحدة، من هذا التعيين؟