مقالات الرأي

عزيز الدودو يكتب: لماذا فشلت قوة حماية المدنيين؟ الحل في التوجيه المعنوي لا في الإجراءات الأمنية

سودان ستار

 

وسط أتون الحرب الدائرة، وفي محاولة لترميم صورة ربما تلطخت ببعض الممارسات الفردية، أعلنت قوات الدعم السريع عن إنشاء “قوة حماية المدنيين”. خطوة تبدو في ظاهرها نبيلة، تهدف إلى لجم تجاوزات بعض المنتسبين حديثًا للدعم السريع، أولئك الذين استغلوا حالة الفوضى والانفلات الأمني لارتكاب جرائم نهب وسرقة في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع. لكن، وبعد مرور فترة من الزمن، يتبين لنا بكل أسف أن هذه القوة لم تحقق المرجو منها، بل ربما تحولت إلى مجرد فقاعة إعلامية في سماء مليئة بالغيوم.

 

إن تعقيدات الواقع الميداني، في ظل حرب ضروس وغياب للاستقرار، تخلق بيئة خصبة لتفلت العناصر غير المنضبطة. يصبح من الصعب بمكان السيطرة على أفراد يحملون السلاح، خاصة عندما يكون ولاؤهم في الأساس هشًا أو مرتبطًا بمصالح آنية. كما أن طبيعة التكوينات القبلية للمجموعات المقاتلة تزيد الطين بلة، حيث تلعب العصبية القبلية دورًا معيقًا لأي محاولة لفرض سلطة مركزية أو محاسبة المنتمين لنفس القبيلة.

 

ولكن، هل يمكن لوم هؤلاء الأفراد بشكل كامل؟ ألا يقع جزء من المسؤولية على عاتق القيادة التي جندتهم دون توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة لهم ولعائلاتهم؟ من غير المنطقي أن نتوقع من جندي لم يتلق راتبًا أو دعمًا أن يكون ملاكًا طاهرًا في خضم حرب طاحنة. الاحتياجات الأساسية تضغط، والعائلات تنتظر، وفي غياب أي مصدر للدخل، يصبح الانزلاق نحو سلوكيات غير مقبولة أمرًا شبه حتمي. فالبشر بشر، وليسوا كائنات معصومة عن الخطأ.

صحيح أن كل الحروب تشهد تجاوزات، لكن الفرق يكمن في كيفية التعامل معها. عندما يتم تسليم السلاح لأفراد ضعيفي الإيمان بالقضية التي يقاتلون من أجلها، أو أولئك الذين يفتقرون إلى أي مبادئ راسخة، فإنهم يتحولون بسهولة إلى قطاع طرق. الجندي المقاتل بحاجة إلى ما هو أعمق من مجرد التدريب العسكري؛ إنه بحاجة إلى قيم روحية وأخلاقية، إلى أدبيات ثورية نضالية حقيقية تروض نزعاته المادية وتحد من غرائزه.

 

لذا، كان الأجدر بالقيادة منذ البداية أن تركز جهودها على بناء كتيبة متخصصة في التوجيه والإرشاد المعنوي. مهمة هذه الكتيبة يجب أن تنصب على بث روح النضال، وغرس قيم الثورة والعدالة والحرية في نفوس الجنود. عندما تصبح هذه القيم جزءًا لا يتجزأ من قناعاتهم، وحافزًا أساسيًا لقتالهم، فإنهم سيكونون أشد حرصًا على الدفاع عنها والالتزام بها حتى النهاية.

 

يبدو أن التعويل على “قوة حماية المدنيين” في ظل الظروف الراهنة هو ضرب من الوهم. كان من الأولى بالقادة أن يستثمروا في بناء جيل من المقاتلين المؤمنين بقضيتهم، والمتسلحين بقيم الثورة قبل أي شيء آخر. فترسيخ الأدبيات الثورية هو الضمانة الحقيقية لحماية المدنيين، وليس مجرد تشكيل قوة قد لا تملك الأدوات أو النفوذ الكافي لتحقيق ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى