قراءات

ميرغني أبشر: وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ: فِهمٌ أَعمق لِنصٍّ أَجمَل  

سودان ستار

هل صحيح “البيض الخايس يدردق على بعضه”؟

في سورة النور، يقول الله تعالى:

“الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات”

وكم من فهمٍ سطحيٍّ لهذا النصِّ حوّله من آيةٍ تبرئةٍ ورحمةٍ إلى سوطٍ جلدٍ نفسيٍّ واجتماعيٍّ، خاصةً في حياةِ النساء.

فالآية، في سياقِها، جاءت رداً على حادثةِ الإفك، حين اتُّهِمت أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها زوراً، فجاء القرآنُ ليبرئها، وليقرر قاعدةً خلقيةً: أن الطيبين لا تصدرُ عنهم أقوالٌ خبيثةٌ، وأن الطيب لا يتهمُ الطيبين بخبثٍ. فالحديثُ هنا –كما رجّحه الإمامُ الطبري– عن القولِ والفعلِ والسلوكِ، لا عن الزواجِ والأزواجِ، كما توهّم البعض.

ولو كان المعنى كما فُهِمَ شائعاً، للزم أن كلَّ طيبةٍ لا يمكن أن يُبتلى قلبُها برجلٍ خبيثٍ، وهو ما يكذِّبه الواقعُ والقرآنُ معاً؛ *فقد كانت امرأةُ نوحٍ ولوطٍ خبيثتين وزوجاهما نبيّين، وكانت آسيةُ زوجةُ فرعونَ الطاغيةِ مؤمنةً طاهرةً. فكيف يُقال بعد هذا إن “الخبيث لا يكون إلا لخبيثةٍ”؟*

لكن هذا الفهمَ المغلوطَ تسلّل إلى حياتِنا، حتى صار كثيرٌ من الناسِ –وخاصةً النساء– إذا تبيّنَت لها خيانةُ زوجِها أو سوءُ خلقِه، بدأت تُحاكمُ نفسَها:

*”هل أنا خبيثةٌ مثلَه؟ أليس الطيباتُ للطيبين؟”*

ويأتي المجتمعُ بأمثالِه الجاهزةِ: “*البيض الخايس يدردق على بعضه”*، وكأنّنا أمام قاعدةٍ قدريةٍ لا اختيارَ فيها.

ويتكررُ المشهدُ في الخطوبةِ، حين تكتشفُ فتاةٌ ماضي خطيبِها، فتتسرع إلى الحكمِ: “أنا طيبةٌ، لا يصح أن أرتبطَ به”، في سحبٍ غيرِ واعٍ للآيةِ خارجَ سياقِها، وربما كان الرجلُ قد تاب وتغيّر، والله يقول: “إن الحسناتِ يذهبن السيئاتِ”.

يا أصدقاء، الطيبُ لا يُختبر فقط في الماضي، بل في النيةِ والعملِ والتوبةِ والمستقبلِ. والخُبثُ ليس وصمةً أبديةً، بل خُلُقٌ يمكن أن يتبدّل. والآيةُ تتحدثُ عن الطهرِ الأخلاقيِّ في الأقوالِ والمواقفِ، لا عن العلاقاتِ الزوجيةِ الحتميةِ.

فلنُحسن الظنَّ بأنفسِنا، ولنفهم كتابَ الله كما أرادَه، لا كما أراده حراس الفضيلة، ولا كما أملاه علينا التراث المتزمت.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى